ارفعوا كاميراتكم عن الثانوية العامة!
06/28/2011 | عبد القادر مصطفى
الأحداث العادية تضخمها الأضواء، فتحولها إلى أحداث استثنائية مليئة بالتوتر والقلق..!.
أما بعد..
فلا توجد «ثانوية عامة» على وجه البسيطة تحظي بما تحظي به «ثانويتنا العامة الميمونة» في مصر، من رصد وتتبع، وتصوير وتحليل.. فهذا طالب يصيح، وهذه طالبة تبكى، وهذه حالة إغماء، وهذه حالة هستيريا، وهذه حالة انتحار.. الخ، حتى تحولت الثانوية العامة إلى كابوس مزعج للبلاد والعباد..!.
والعجيب أنَّ لدينا ثانوية أخرى هي «الثانوية الأزهرية»، وهي تؤدي إلى كليات مماثلة كالطب والهندسة والعلوم والتربية.. الخ، ولم تحظ بمثل هذا الصيت المدوي، والاهتمام المشهود، رغم كثرة وصعوبة مناهجها إذا قورنت بـ «الثانوية العامة»، ربما لأن عدد الطلاب بها أقل، فلم يُعِر الإعلام لأصواتهم المتفرقة اهتماماً..!
إنَّ ثقافة البحث عن «الألقاب الخاوية» هي التي جرت المجتمع والمنظومة برمَّتها نحو التردي في هذا الجحيم الذي لم يرحم أحداً.. لم يرحم طلاباً في عمر الزهور حين خطف زهوتهم وبسمتهم، ورسم معالم القلق والخوف على وجوههم.. لم يرحم أولياء أمور أنفقوا عصارة أكبادهم ليظفروا لأولادهم بلقب «طبيب أو مهندس أو ما شابه».. لم يرحم معلمين ومربي أجيال من الخضوع يومياً للتحقيق بسبب «دبوس» في كراسة الإجابة منزوع أو مفقود أو معوج أو..... أو..... الخ!.
الحقيقة أننا نعاني من اختلال بَيِّنٍ في منظومة الأولويات، إذ بنينا من أوهام كليات القمة وكليات القاع مُدناً من رمال، وأقمنا صروحاً من هواء، ثم قذفنا بآمالنا وطموحاتنا في هذا الخواء، فلم تعد لنا قصة سوى قصة «الثانوية العامة»، ولم تعد لنا قضية غير قضية «الثانوية العامة»، وكأننا قد انتهيا من عرض ولفت الانتباه إلى كل القضايا المصيرية التي تحكم مستقبل هذا البلد، فقررنا أن نشغل الناس بما دونها!.
نعم إنَّ «الثانوية العامة» مهمة، ولكن ليست أهم من النيل و من سيناء.. ليست أهم من السد العالي ومن القناة، حتى تحظى بهذا الرصد والتحليل، صحيح أنها حديث الشارع في وقت ما، ولكن ليس كل ما يتحدث به الشارع يعد قضية قومية، خاصة حين يأخذ حيزاً محدوداً من الزمان والمكان بسبب الهالة الإعلامية المبالغ فيها حول الحدث، الذي ما كان له أن يُحْدِث هذا الضغط على أعصاب الجميع لو خلت التغطية من بعض التوابل والمُشهيات!.
أتصور أنه قد آن الأوان كي توجه الآلة الإعلامية - بكل ما لديها من أدوات التأثير - اهتمام الناس نحو القضايا الكبرى للوطن، وأن تجمع قلوبهم وعقولهم وسواعدهم حولها، والإعلام على ذلك لقدير لو أراد.. فكما يقدر على حشد الملايين حول حدث طارئ كمباراة لكرة القدم، أو انتقال نجم للكرة من ناد لآخر.. يقدر أن يُجَمَّع الناس حول الأهداف والمشروعات الكبرى للوطن، بحيث تكون مَحَطَّ تفكيرهم، ومحور كلامهم، ومناط تنفيذهم، وهي رسالة عظمي نأمل من إعلامنا الشامخ أن يتولى أمر غرسها في أعماق المواطنين في المرحلة القادمة.
أرجوكم.. سلطوا أضواء كاميراتكم، ومداد كلماتكم نحو التطوير، لا نحو التعكير والتكدير..!.
والله الموفق،
http://www.albedaya-algadida.com/article-1578.html
http://www.albedaya-algadida.com/article-1578.html