السبت، 19 فبراير 2011

البكاءُ اللذيذ..!



عبد القادر مصطفى عبد القادر *
العين تبكى حين الفرح، أو تبكى حين الحزن، أو تبكى حين الألم، أو تبكى حين الفراق، أو تبكى حين الخوف..!.

وفى كل الأحوال السابقة يوصف الباكي علانية بالرجل الرقيق، وسراً أو همهمة بالرجل الضعيف، إذ البكاء في عقيدة الكثيرين يمثل فقداناً للسيطرة على النفس، وفشلاً في كبح جماح مشاعرها، فتنساب الدموع تأثراً بالمواقف ذات البعد العاطفي أو الإنساني، وهو الأمر الذي يلقى استنكاراً لدى قطاع عريض من مجتمع الرجال، اعتقاداً منهم بأن البكاء ينال من هيبة الرجل، ويسقط كثيراً من شموخه، ويدحض كثيراً من نقاط تميزه على المرأة في هذا الخصوص.

هذا الموقف المتشدد من بكاء الرجل يُنْسَفُ من قواعده في مشهد البكاء بين يدي الله، إجلالاً له، وخشية منه، واستحضاراً لعظمته، إذ يختلف التفسير عند الصغير وعند الكبير، فيصبح البكاء في هذا المقام أمارة على ارتقاء أعلى مراتب الرجولة، وتلبية لنداء الفطرة السليمة، لأن الدموع إن عبرت عن ضعف مطلق أمام قوة الله المطلقة، فهي تعبر وقتئذ عن حقيقة واضحة كفلق الصبح، ومن ثم فهي اعتراف عملي بعظمة الله في قلوب عباده، والرجل حين يصنع ذلك بيقين فهو يضع الشيء في موضعه، وبذا فهو يفصح عن صفة لا تُبارح الرجولة الحقيقية، ألا وهى صفة الحكمة، ومَنْ مِنَ الرجال لا يحب أن يكون حكيما؟!.

والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا تختلف النظرة بين بكاء الرجل إزاء المواقف العاطفية والإنسانية، وبين بكاء الرجل بين يدي الله خشية منه، رغم أنها دموع واحدة في الموقفين؟!.. إن لذلك أسباباً أذكر بعضها باختصار شديد:-

(1) الله عز وجل، ذكر البكَّائين في كتابه العزيز في أكثر من موضع، وذِكْرُ الله لهذا الصنف من الناس شرف لا يدانيه شرف، قال الله تعالى { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } وقال أيضاً { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } فمن من الرجال لا يطمح إلى ذاك الشرف الرفيع؟!.

(2) الرجل يحب أن يُمنح شهادة الرجولة ممن يثق ثقة مطلقة في صدق حكمهم، ونزاهة رأيهم، ويأتي على رأس هؤلاء سيد الخلق وحبيب الحق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي منح المرء صفة "الرجل" وهو في حضرة البكاء من ذكر الله، حين قال في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله { ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاه} فمن من الرجال لا يتمنى البكاء تأثراً بذكر الله، ليتحقق فيه معنى كلمة "رجل"، التي نطق بها لسان من لا ينطق عن الهوى؟!.

(3) الرجل لا يقتنع بخُلق إلا إذا مورس من قبل رجال سجل لهم التاريخ بحروف من ذهب أروع مشاهد الرجولة في كافة ميادين الحياة، فإذا كانت تلك الصفوة من الناس تبكى خشية من الله، وخوفاً من الله، فإن البكاء حينئذ يمثل مُرتقاً شامخاً يستهوى فؤاد كل رجل حصيف، فإن كان رسول الله قد بكى.. فلماذا لا يبكى الرجل؟!، وإن كان الصحابة الأخيار قد بكوا.. فلماذا لا يبكى الرجل؟!، وإن التابعين الأبرار قد بكوا.. فلماذا لا يبكى الرجل؟!.

لماذا لا يبكى ذلاً وانكساراً بين يدي الله، وقد سبقه إلى ذلك رجالاً لم يعرف التاريخ مثيلاً لهم في الرجولة والشجاعة والإقدام؟!.

إن بكاء الرجل أمام ربه يمثل اعترافاً بالعجز المطلق أمام القدرة المطلقة، ويمثل اعترافاً بالذل المطلق أمام العزة المطلقة، ويمثل اعترافاً بالفقر المطلق أمام الغنى المطلق.. الخ، فإن تبوأ العبد تلك المنزلة جعل الله له في قلوب الناس هيبة ووقاراً، وقذف في نفوسهم المحبة له، والثقة فيه، والاطمئنان إلى جواره، وكلها مكاسب اجتماعية يسعى كل رجل مستقيم إلى إحرازها في المجتمع الذي يعيش فيه.

إن البكاء من خشية الله كالماء الطهور الذي ينزل على القلب فيرفع عنه أدرانه، وينزع منه أحقاده، ويجعله قلباً ليناً رحيماً يجمع الناس على الحب والخير، قال الله في شأن حبيبه محمد بن عبد الله { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.

فاللهم ارزقنا البكاء بين يديك.. خوفاً ورجاءً.. رهبة ورغبة.. إجلالاً وحباً .. اللهم آمين.

* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/11/27/article_473070.html

ماذا جرى لقلوب الناس؟!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
«أفهم أن الناس يطورون حياتهم، لا أن يقتلعون قلوبهم من صدورهم».

فيما مضي كان الحب سفينة تُقلُّ قلوب الناس على موج الحياة.. واثقة مطمئنة.. غير عابئة بالأنواء والأهوال، فلا كان الموج يرهبها، ولا كانت العاصفة تزعجها، ولا كان الرعد أو البرق يُعييها، إذ جمعت قلوبهم على معنى الحب المترفع عن أغراض الدنيا، بل وصهرتها ومزجتها في بوتقة واحدة، ولذلك لم تكسرهم عاصفة ولم تنل منهم مصيبة، فلقد كان البناء أقوى من كل المخاطر والأهوال.

ولقد كانت القلوب تقبض على دقائق العمر الجميلة كي لا ترحل، فيرحل برحيلها كائن الحب الذي كان يعشش في الدماء، وينساب في المعاملات، وكأنهم كانوا يعلمون أنها لحظات غالية ربما لن تعود، ولذا ذاقوا طعم الحياة وهم في ظل الحب الوارف يحيون بلا كراهية أو أنانية، فكان البيت الصغير يجمعهم، واللقمة الصغيرة تشبعهم، والطرفة المرتجلة تضحكهم.

وجاءت جيوش المادة، فانتكست المشاعر الجميلة في القلوب، وتعرض الحب بين الناس إلى كثير من عوامل التعرية، فتحول في القلوب إلى مجرد مسخ، وفى التصرفات إلى مجرد تكلف، بل وسُجَن الحب في حيز ضيق من الوقت، فصار التعبير عنه مجرد كلمات تُنثر عبر مناسبة أو قصيدة شعر لا يتخطى تأثيرها ثغر من ألقاها، ذلك لأن قيم المادة تدخلت في كل شيء، وأضحت معياراً لكل شيء، حتى باتت علاقات البشر تُفسر بمنطق المنفعة أو المصلحة المشتركة، فأنت صديقي ما دامت لي عندك منفعة، فإذا وُجدت المنفعة وُجدت المحبة، وإذا انتهت.. انتهت!!، وأسوأ شيء أن تسمع «أن الناس مصالح فإذا اجتمعت مصالحهم اجتمعوا، وإن تفرقت تفرقوا».

وفى سباحة مناهضة لمعني الحب الحقيقي، أقمنا صروحاً واهية من علاقات اجتماعية، وأسسنا روابط هشة من وشائج أسرية واجتماعية، انطلاقاً من مفاهيم منبثقة عن عشق المادة، بل وتقديس المادة، وتقديمها على ما سواها في السواد الأعظم من الأفعال، وما الزواج الذي يقوم على أوهام التكافؤ المادي إلا نموذجاً واحداً - من آلاف النماذج - يفصح بجلاء عن موقف المجتمع المعادى لمقومات أخرى أكثر أهمية في بناء الحياة الزوجية، مثل الدين والأخلاق والحب.

إن الحب بين الناس منحة من الله لقلوب ذاقت حلاوة الإيمان بربها، إذ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» بل إن الإسلام نفى الإيمان عن صاحبه في بعض الآراء، أو أقر بنقصانه وعدم اكتماله لدى البعض الآخر، وذلك إذا أحب المرء لنفسه شيئاً أكثر من أخيه، قال النبي "صلى الله عليه وسلم" «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

إن الحب بهذا المعنى هو الحب الذي يفصح عن إنسانية الإنسان، وارتقائه، وترفعه عن شهوات النفس وأهوائها، وهو يمارس حياته مشدوداً بين روح تريد أن ترتقي إلى السماء، وبين مادة تريد أن تخلد إلى الأرض.

* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/05/article_475753.html

قطر والعالمية المُستحقة!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
إن فوز دولة قطر الشقيقة بتنظيم بطولة كأس العالم 2022م، لهو حدث بارزٌ في مسيرة هذا البلد، سيكتب في سجلات التاريخ بأحرف من نور، ليكون شاهداً على طفرة نهضوية عملاقة، بدأت بتخطيط علمي مُحكمٍ دقيق، لم يترك ثغرة لصدفة، أو مجالاً لتخمين، ثم كان التنفيذ الأمين وفقاً لأرقى المعايير العالمية وبجودة فائقة المستوى، ثم كان التسويق المُبهر المُنَظم الذي وصل إلى عقل وقلب كل متابع ومهتم على وجه البسيطة، ثم كان عرض الملف القطري بشكل مذهل ومدروس، لتثبت قطر أنه لا مستحيل مع الإرادة الحديدية، والتخطيط العلمي السليم.

عندما تنافس قطر الصغيرة في مساحتها الكبيرة برجالها وطموحها وإرادتها وتخطيطها، دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية برصيدها الحضاري، ونفوذها السياسي، وتفوقها الاقتصادي والمالي، ثم ترجح المؤسسة الدولية لكرة القدم «فيفا» ملف قطر ليقع عليها شرف تنظيم أكبر بطولة عالمية لكرة القدم، فهذا لا يعني التقليل من قدرات أمريكا المعروفة للجميع، بقدر ما يعني أن أشياء هائلة حدثت وتحدث وستحدث على أرض هذه الدولة العربية النابغة.

ولسوف تثبت السنوات القادمة، بما تشهده من بُنَى تحتية ومن إنشاءات وتجهيزات، أن قطر كانت أهلاً لنيل هذا الشرف، كأول دولة عربية تظفر بتنظيم الحدث الأبرز رياضياً فوق أرضيها في 2022م، ولسوف تقدم قطر أنموذجاً مشرفاً لكل العرب في التنظيم والإدارة، لأن الحماس، والجاهزية النفسية، والطموح، والرغبة في إثبات الذات.. كلها أمور متوفرة لأهل القرار والتنفيذ.

* لقد أعجبني كثيراً تأكيد أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على أن «اختيار قطر لاحتضان فعاليات كأس العالم لكرة القدم عام 2022 حدث لا يخص قطر فقط، وإنما يخص العالم العربي كله».

* كما أعجبني تصريح محمد بن همام رئيس الاتحاد الأسيوي لكرة القدم حيث قال «أتوجه بالتهنئة لقطر، لكننا اجتزنا مرحلة سهلة وتنتظرنا مهمة صعبة في السنوات المقبلة، لكني واثق من قدراتهم على أن يكونوا عند حسن الظن كما أثبتوا في الماضي».

فشكراً للذين تعبوا من أجل أن يقذفوا السعادة في قلوب بني شعبهم، وشكراً للذين أسعدوا كل العرب، وشكراً للذين أثبتوا للعالم أن العرب يقدرون على الكثير لو أرادوا وخططوا.

وهنيئاً لقطر أميراً وحكومة وشعباً.


*باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/09/article_477254.html

قطار العمر المُنطلق!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
الأيام تمر، بل تموت.. وحين تفعل تقيم على الحياة أحد قوانين القدرة الإلهية القاهرة.. الموت، وهو القانون الذي يصرع الحياة في شخوص الأحياء من أول جولة بينهما، فيعيد البدن من حيث أتي.. إلى التراب، وكأن جولة الحياة بين الخلق والموت كانت ومضة ما لبثت أن برقت حتى انتهت، وهكذا تتساقط أوراق الأعمار لكل الأحياء من فوق شجرة الحياة، ليفرض الموت توطئة إجبارية لحياة جديدة باقية، تبدأ بحياة البرزخ، وتنتهي بالحياة الآخرة الباقية.. إلى نعيم مقيم، أو شقاء مستديم.

هذه حقيقة لا يعقلها إلا الذين عاشوا الحياة الدنيا على أنها مرحلة الزراعة لا مرحلة الحصاد، فعملوا بإخلاص وتجرد لما بعدها، فنثروا الأعمال الصالحة في كل شبر من حياتهم، وسَقَوها بعرق الجهد والتعب والبذل الجميل، وحَمَوها من آفات الرياء، وطلب الشهرة، وحب الثناء.. وظلوا كذلك يفْلََحُونَ فيها بجد في كل وقت، واثقين من تحقيق الوعد «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا».

ولا أحسب أن عاقلاً واحداً يفرح إذا مر من عمره عاماً أو بعض عام، ما لم يقدم فيه ما يشرح صدره ويُعلى قدره، مستعملاً في تصنيف أعماله معيار الخير، فإن كانت خيراً حمد الله وسعى نحو المزيد، وإن كانت غير فليكن له مع نفسه وقفة جادة يُصلح بها شأنه، قبل أن تتسرب كل الفرص من بين أصابعه ولا يحصد وقتئذ إلا الندم، وقت أن لا ينفع الندم.

إنّ من المجزوم به، أنّ لكل إنسان في الحياة دور - مهما كانت مؤهلاته أو قدراته - يجب عليه أن يؤديه بذمة وضمير، ليرفع معني إنسانيته المكرمة فوق كل اعتبار، دون النظر طويلاً إلى ما يحصده من مجد أو مال، لأن كثرة التلفت مدعاة كبرى نحو التوقف على درب الحياة الذي لا يقيم وزناً إلا للمتحركين، بل إن الحياة لا تمنح أسرارها إلا للذي يمنحها قلبه وعرقه.

بحسبة هينة.. الإنسان حقيقة = ( أقوال + أفعال + سلوكيات ) سوية، تدفع حياته وحياة من يعول أو يدير نحو الأفضل، فإن لم يفعل فإنه = صفر، والعمر هو مساحة محدودة من الزمن متاحة بين يدي صاحبها ليؤدى ما عليه من واجبات حيال نفسه وناسه ومجتمعه، فإن تفلت الوقت أو ضاع في اللهو واللعب، فأني لإنسان هذا شأنه أن يكون مفردة مؤثرة في منظومة الحياة.

إنّ الوقت لا يحابى ولا يجامل ولا يعترف بلون أو جنس، وإنما يحترم من احترمه، ويسخر ممن أهمله، ولذا تقدم في الحياة من قضى الوقت في البحث العلمي والإنتاج، ولو كان من غير المسلمين، وتراجع وتقهقر من أهدر الوقت لهواً ولعباً ولو كان من المسلمين، لأن الوقت كأي قانون سببي لا يطلب من مستعمليه إبراز هويتهم، وإنما ينظر إلى إرادتهم وحسن استخدامهم له.

لهذا فنحن كعرب ومسلمين نحتاج بشدة إلى هذه الثقافة، حتى نتخلص من ثقافة الخزعبلات واللهث وراء السراب، لأن الحياة لن تأتى راكعة بين يدي إنسان - مهما كان - لتطلب رضاه وهو يقضى وقته في سبات واستهتار وسطحية، ثم يزعم بعد ذلك أنه زاهد أو عابد، فهذه أفكار يجب أن نلقى بها في البحر، لأنها ثبطت همم وأقعدت عزائم وجعلت الركون إلى الكسل غاية، والاستسلام للتراخي هدفاً، والكلام عن الدعة والراحة والتسلي بحوراً زاخرة من أفكار ومحاضرات ومناظرات ومناقشات، والكلام في الجدية والعمل ومواجهة الحياة جداول جافة متشققة تشكو إلى الله حالها.

إذن لنفرح ونسعد بالعام القادم، ثم نعقد النية ونصحح المسار، لتفرح بنا أيامنا كما نفرح بها!.

* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/10/article_477570.html

كُوني زوجتي.. وافعلي ما شئتِ!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
«الرجل لا يطلب المستحيل حين يبحث عن شريكة لحياته، تتحقق فيها شروط وأركان الزوجة الصالحة، وإن من حقه المشروع أن يطمح إلي ذلك ويسعى إليه، ولا عيب عليه».

إنَّ سَعْي الرجل إلى الزواج، هو في حقيقة الأمر بحثٌ عن أشياء يفتقدها في حالهِ الراهن، ويَوَدُّ العثور عليها بإتمام زواج شرعي بمن تَحِلُّ له، من أهمها: طلبُ السكن، والمودة، والرحمة، وهي ثلاثية لا تتحقق مجتمعة إلا في ظلال زواج مكتمل الأركان، يُفصحُ عملياً عن آية الله في خلقه وسنته في عباده.

فإنْ أجادتْ المرأة دورها كزوجة وشريكة حياة، على نحو يرضى الله أولاً، ثم الزوج ثانياً، فلا ضير عندئذٍ أن تبحث عن إثبات ذاتها وتأكيد هويتها في المجتمع، بما يتسق مع مؤهلاتها وقدراتها وطبيعتها كأنثى، وبما لا يصطدم مع النصوص الشرعية والأعراف الاجتماعية، ودون أن تخل في أي لحظة بواجبها المقدس نحو بيتها وزوجها، وبما يضمن بقاء العلاقة الزوجية دائرة على مدار المودة والرحمة.

ولا أظن أن رجلاً سوياً سيكون عَثرة في طريق زوجته نحو المعرفة وتأكيد الذات، متى أشعرته - في كل حين - أنه ذو منزلة عليا في قلبها ووجدانها، وأنه أحق الناس بحسن صحبتها وعشرتها، وأنه صاحب الأمر المُطاع مادام في طاعة الله ورسوله، عندئذٍ ستجد الزوجة رجلاً يبسط لها يَدُ المساعدة والمساندة في كل ما تطمح إليه من نبوغ وتفوق.

لكن الواقع يؤكد أن الزوجة العاملة تحديداً، تهمل - مع انشغالها بتنمية مركزها الوظيفي - بعض أو كل واجباتها نحو زوجها وبيتها، ومن هنا تبدأ المشكلة.. إذ مهما أعلن الرجل من ديمقراطية ومرونة حيال ذلك، فإن شيئاً من ضيق وحنق سيسيطران على نفسه، لأن الرجل لا يرضى بغير أن يكون الأول في قائمة أولويات زوجته، فما بالنا إن وجد نفسه في لحظة ما خارج هذه القائمة؟!.

بالقطع، إنّ الرجل لا يريد وزيرة ولا سفيرة في بيته، ولكن يريد زوجة وأماً لأولاده، وإنْ تحقق بعد ذلك أي نجاح فلا بأس به ولا ضير منه، وهنا لا يجب أن يُتهم الرجل بالأنانية، كما يذهب إلى ذلك دُعاة أنصار المرأة، الذين يرون في طاعة الزوجة لزوجها دحراً لشخصيتها، وقتلاً لمواهبها، ودفناً لطموحها، ثم يُصَدِّرون هذا المفهوم بلغة مَعَسولة هنا وهناك، فتردده بعض الدوائر بلا تعقل، فنصبح ونمسي أمام حرب وهمية بين الرجل وزوجته!.

والسؤال: لماذا نتجه إلى الشرق أو الغرب لاستيراد نماذج جاهزة لإدارة العلاقة بين الرجل وزوجته؟! لماذا لا نتجه إلى ديننا، وفيه الكفاية، لضبط هذه العلاقة على ميزان العدل والرحمة، بغية التماس صيغة جديدة لحل الإشكاليات التي أفرزتها طبيعة العصر، ليبقي الرجل زوجاً، وتبقي المرأة زوجة، مع حفظ كافة الخصوصيات لكل طرف، بما يضمن استقراراً أسرياً واجتماعيا؟!.

رغم أنني لستُ من المؤمنين بنظرية المؤامرة، لكني أري أن العلاقات الزوجية في بيوت المسلمين ستشهد تدهوراً خطيراً خلال السنوات القادمة بفعل كثير من الضغوط والوساوس، لأن المرأة علمت ما لم تكن تعلم، وتعلمت ما لم تكن تعرف، ولا أقصد بذلك إلا أن تُدفع المرأة بموجب معارفها في الطريق السديد، بعيداً عن مطالب التحرر من الالتزامات الأسرية، وبعيداً كذلك عن مطالب المنع والحجر ومصادرة التعبير عن الذات، كي تمارس المرأة دورها الرئيس كزوجة وأم أولاً، ثم لتُعَبِّرَ عن ذاتها وتفصح عن قدراتها العلمية والفكرية في المجتمع، بما يؤكد قدرتها على المشاركة الفاعلة.

ليس عيباً أن يصحح المجتمع - أي مجتمع - أوضاعه حيال نسائه، اليوم قبل غداً، ليكون هو الذي غيَّرَ قبل أن يُفرض عليه التغيير، بلغة قد لا تتفق مع موروثاته الثقافية والقيمية، وفرق شاسع بين ما أقوم به الآن، وبين ما تفرضه ضغوط اللحظة غداً.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
http://www.aleqt.com/2010/12/15/article_479190.html

أنيميا الذوق !



عبد القادر مصطفى عبد القادر
في كل حركة أو سَكَنَة يحتاج المرء إلى استحضار معاني الذوق، كي تخرج أقواله وأفعاله إلى الواقع مُغلفة بغلاف التحضر والرقى.

فإذا كان لكل شيء عنوان يُلخصُ محتواه، ويُفصحُ عن فحواه، فإن الذوق هو الواجهة الحقيقية للأخلاق الراقية، بل هو روح تسرى في الكيان الأخلاقي كما تسرى الدماء في البناء البشرى، لتمد هذا الكيان بالحركة والحياة والتجدد، وكل مُعاملة رحل الذوق عنها هي - في الحقيقة - عجرفة أو إساءة أو سوء أدب..الخ.

إذن، فالذوق سلوك بشري راق، يمتلك ناصية التعبير عن الإنسانية المهذبة، من خلال أقوال وأفعال تصدر عن صاحبها وهو يمارس حياته العادية بلا تكلف ولا تقمص ولا تقعر، بحيث تبدو وكأنها عادة ولازمة سلوكية، لا تنفصل عن الإنسان أو ينفصل عنها مهما كانت المنغصات أو الضغوط التي يتعرض لها، بحيث يتعامل مع الناس على اختلاف مناصبهم ومشاربهم بذات الروح الجميلة.

ما أسهل أن نجلس في الغرف المكيفة، وعلى المقاعد الوثيرة، وتحت الإضاءة المبهرة، ثم ننظم شعراً وكلاماً مُنمقاً حول موضوع الذوق و«الإتيكيت»، لكن الثمرة لا تتمحور حول التنظير رغم أهميته، إنما تتمحور حول الممارسة، حتى لا يكون هنالك انفصام وانفصال بين ما نقول وما نفعل، فيغدو الكلام بلا أثر ملموس، فتتلاشى قيمته وتذهب هيبته، لذا فإن من الأولى ألا نتحدث عن الذوق كإحساس جمالي فقط، بل يجب أن نتحدث عنه كسلوك حياتي أيضاً، بحيث نُرسى لدى الناس فهماً و إدراكاً بكيفية أدائه وخطوات تنميته ليصبح اسماً على مسمى، لا أن يصبح حبراً على ورق.

إن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الذوق فطرة بشرية جميلة، لكن من الممكن أن تنطمس معالم هذه الفطرة وتصبح أثراً بعد عين في ظل هذا الثالوث:-
(1)افتقاد القدوة العملية.
(2) الغرور والكبر.
(3) الفقر والجهل.
هذه أضلاع ثلاثة، تطرد مجتمعة أو متفرقة الذوق عملياً من سلوك أي مجتمع، وإن بقى الحديث عنه نوعاً من الترف يُمارس بين الحين والآخر.

إذ كيف نربى أولادنا على الذوق بينما تخترق آذانهم وعيونهم وقلوبهم تلك المشاهد التي يذبح فيها الذوق ذبحاً؟!.
وكيف يحترم أولادنا معنى الذوق، بينما صورته بعض الأفكار على أنه نوع من الخيبة، وقلة الحيلة؟!.
وكيف يقيم أولادنا للذوق وزناً، بينما لا نضحك كثيراً إلا من إتيان نقيضه؟.

يا سادة، إن الذوق العام يعانى خطراً محدقاً، بل وتختزل مساحة التعامل به في الأماكن العامة، وفي دور العبادة، وفي المدارس.. الخ، تحت دعاوي الحرية الشخصية.. ولا أدري أي حرية في إيذاء مشاعر الآخرين؟!

من أجل ذلك فإنه من الأهمية أن نعيد ضبط كلماتنا، وآرائنا، وتصرفاتنا، على ميزان الذوق، حيث لا غنى أو استغناء لأي مجتمع يسعى إلى ترسيخ قيمة الإحساس بالجمال، والحرص على الممتلكات العامة، والإبقاء على البيئة نظيفة جميلة بلا تلوث، من ممارسة الذوق كسلوك عملي في كل مناحي الحياة.
http://www.aleqt.com/2010/12/19/article_480369.html

الخطاب الديني.. من البدعة إلى الإبداع!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
«بداية، لابد من الجزم بأن صلاحية الدين واستيعابه لمستجدات الزمان والمكان حقيقة جازمة لا تقبل الشك»

ليس من المعقول أن يتقدم العلم بسرعة الضوء في شتى ميادين الحياة، ولا زال خطباء المساجد في كثير من أرجاء الأمة يتحدثون عن بديهيات في أمور الدين، وكأنها كل الدين، لكثرة ما يقال فيها وحولها، حتى انحصر الخطاب الدعوى في قوالب صماء، لا تواكب حركة الحياة، ولا تستوعب متغيرات اللحظة، ولا ترضى طموح النفس البشرية التي تبحث عن الجديد، هروباً من التكرار والملل، ومن زاوية أخرى لا زالت كثير من الفتاوى والآراء الدينية تصدر بشأن سطحيات لا تمس حياة الناس لا من قريب أو بعيد، بل توجج نيران التناحر وتؤصل للجدل العقيم الذي لا طائل من ورائه، ومن زاوية ثالثة لا زالت فرق وجماعات تستخدم الدين كوسيلة لتفتيت وحدة المجتمع والخروج عن السياق العام، تحت دعاوى الإصلاح والتغيير.. الخ.

في كل لحظة يتمخض رحم العلم عن جديد، في هيئة اكتشاف، أو ابتكار، أو اختراع، أو إبداع ، تندهش له الألباب، وتشخص له الأبصار، وتنصرف له الأسماع، لأن للجديد بريق يشبع فطرة - مستقرة في النفس البشرية - تتلهف دوماً إلى معرفة المجهول، المختبئ في جوف الصخر، أو المطمور في باطن الأرض، أو الغائص في قاع البحر، أو السائح في جو السماء، حتى وإن ضلت السبيل إلى ذلك، لكن يبقى الأمل ملازماً للنفس البشرية، ولا ينقطع عنها حتى تصل في يوم من الأيام إلى ضالتها المنشودة فتميط اللثام عن بعض أو كل ما تمنت أن تدركه من أسرار عن الحياة والأحياء والكون.

هذا الجديد في شئون الدنيا أصابه وحققه عقل بشرى، يبحث و يستنبط ويبنى نظريات جديدة، فلماذا لا يكون هناك سعى وبنفس الخطى على طريق إنتاج أفكار ومفردات جديدة في مجال الدين تُثرى الأصل وتدعمه ولا تصطدم به من ناحية، وتفسر وتستوعب تلك النظريات من ناحية أخرى، وتقدم آراءً تلبى متطلبات العصر المتجددة من ناحية ثالثة.

إن قضية تحديث الخطاب الديني في ظل المعطيات الراهنة والمتغيرات المتدافعة، لم تعد ضرباً من ضروب التسلي أو الترف، ولم تعد كذلك محض اختيار نأتيه أو لا نأتيه، إنما أضحت قضية وجود أو تلاشى، قضية حياة أو موت، قضية إثبات للذات، وتأكيد للهوية، خاصة بعدما كَثــُر عدد الراشقين لفكر ولدين هذه الأمة بسهام التخلف والرجعية والجمود، ولا تكاد تمر مناسبة حتى نصاب بسهم دام ٍفي كبريائنا وكرامتنا وديننا، الأمر الذي يفرض بإلحاح أكثر من أي وقت مضى، ضرورة البحث عن منطلقات جديدة ومبتكرة ترتكز على المعاصرة في إبداء وجه نظر الدين بمفردات جديدة قابلة للهضم والفهم والحياة، فلكل عصر لغته ومفرداته، على أن تعبر هذه المفردات عن عظمة ديننا، وعن هويتنا، ولا تكون ردة فعل نساق إليها من طرف أو آخر.


لهذا كان لزاماً أن نعيد قراءة السيرة النبوية بشيء من التريث والتأمل، لأنها الترجمة العملية والبلورة الواقعية والتعبير الأمثل عن الدين الإسلامي بشرائعه وشعائره، وأوامره ونواهيه، وحدوده وأركانه، لنعرف كيف نعبر عن الدين واقعياً وحياتياً، كما عبر عنه النبي الكريم، إذ كان خلقه القرآن، ورغم هذا لم ينكر النبي على صحابته الاجتهاد في أمور الدين، والابتكار في أمور الدنيا، وفى قضايا ذات اختلاف وشورى، كان النبي ينزل على رأى أصحابه ويقر بصحته وصوابه، بل كان القرآن الكريم ينزل موافقاً لما اجتهد به صحابة رسول الله، وفى هذا أروع دعوة من الإسلام لأهله وأتباعه إلى إعمال العقل والفكر لاستنباط واستنتاج الجديد في شئون الدين والدنيا، في ضوء التأويل الرشيد للنص القرآني والنص النبوي، وبما يحقق مصالح الخلق.

إن القرآن الكريم نزل متفرقاً حسب الأحداث والوقائع، وفى ذلك أسطع برهان على أن الدين نزل ملبياً لصالح الناس ومصالحهم، وليس مكبلاً لعقولهم وأفكارهم، و وضعهم في قوالب ونسخ مكررة من الفكر والعمل والسلوك، و لقد احترم الإسلام اختلاف البشر، وأقر بتنوع أفكارهم وميولهم، لكنه وضع الأطر العامة حتى يصب هذا الاختلاف والتنوع في مصلحة المجتمع ككل.
ولذلك لما توفى رسول الله عليه الصلاة والسلام، جاء الصحابة من بعده فساروا على نفس الطريق الذي خطه لهم معلمهم وأستاذهم، وبذلوا كل الجهد والوسع في اقتفاء أثره والسير على سنته قولاً وفعلاً وأخلاقاً، وكانوا في ذلك نماذج بشرية مشرفة خلدها التاريخ، وشهد لها القاصي والداني والعدو والصديق.

لكن الحقيقة المؤكدة أن أحداثاً قد طرأت، وأن ظروفاً قد استجدت في حياة الصحابة وتابعيهم لم تكن موجودة في عهد النبوة، الأمر الذي دفع بهم رضي الله عنهم نحو البحث عن دلالات جديدة للنص للتعامل مع الظروف والأحداث المستجدة، بغية الوصول إلى صيغة ورؤية عملية تحقق مقاصد الشرع من ناحية، وتخدم مصالح الناس من ناحية أخرى، ولذلك اجتهد الصحابة واختلفوا في الرأي أحياناً تجاه معالجة القضية الواحدة، لكن كان الهدف النهائي هو بلورة موقف عملي يتسق مع القرآن والسنة ويعالج الموضوع أفضل علاج ممكن.

وعليه فإن دلالة النص القرآني ومرامي السنة النبوية لا تتوقف عند أشخاص بعينهم، أو عند أزمنة بعينها، إنما جاء النص ليضع بصمته الواضحة على حركة الحياة والأحياء حتى تقوم الساعة، وكل جديد يطرأ في حياة البشر يمكن استخراج النصوص التي تعالجه من القرآن والسنة، والمسألة تحتاج فقط إلى البحث والدراسة، لأن كل تطور يقع على الأرض يثمر دلالات ومفاهيم جديدة للنص القرآني أو النبوي، لا تصطدم مع الأصل بل تدعمه وتثريه، وتقيم الدليل المشهود على إعجازه وخلوده، وهذا ما ينقص الخطاب الديني في أيامنا هذه.

إن ما تناولته السطور الفائتة، ليس سوى مناقشة حول الطريقة التي يتم بها عرض مفاهيم الدين على الناس من خلال مسجد أو فضائية أو صحيفة أو موقع الكتروني أو غير ذلك، إذ يتشكل سؤالاً يرسم معالم القلق على الوجوه، تهمهم به الحناجر، وتتمتم به الشفاه، حيرة وحياءً، يبحث في لهفة عن إجابة تستقر بها النفس المضطربة وتهدأ به الأفكار المتصارعة، وهو: كيف يمكن للخطاب الديني أن يخطو على طريق التحديث والتجديد بخطوات توازى وتكافئ التطورات العلمية والبحثية عمقاً واتساعاً وسرعة، حتى لا يبقى الخطاب الديني جامداً منغلقاً يعانى العزلة عن حياة الناس وقضاياهم الجوهرية، يسبح بعيداً في عالم البديهيات، أو بالأحرى في عالم القشور والسطحيات.

والله من وراء القصد.
http://www.aleqt.com/2010/12/25/article_482946.html

  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...