الأيام تمر، بل تموت.. وحين تفعل تقيم على الحياة أحد قوانين القدرة الإلهية القاهرة.. الموت، وهو القانون الذي يصرع الحياة في شخوص الأحياء من أول جولة بينهما، فيعيد البدن من حيث أتي.. إلى التراب، وكأن جولة الحياة بين الخلق والموت كانت ومضة ما لبثت أن برقت حتى انتهت، وهكذا تتساقط أوراق الأعمار لكل الأحياء من فوق شجرة الحياة، ليفرض الموت توطئة إجبارية لحياة جديدة باقية، تبدأ بحياة البرزخ، وتنتهي بالحياة الآخرة الباقية.. إلى نعيم مقيم، أو شقاء مستديم.
هذه حقيقة لا يعقلها إلا الذين عاشوا الحياة الدنيا على أنها مرحلة الزراعة لا مرحلة الحصاد، فعملوا بإخلاص وتجرد لما بعدها، فنثروا الأعمال الصالحة في كل شبر من حياتهم، وسَقَوها بعرق الجهد والتعب والبذل الجميل، وحَمَوها من آفات الرياء، وطلب الشهرة، وحب الثناء.. وظلوا كذلك يفْلََحُونَ فيها بجد في كل وقت، واثقين من تحقيق الوعد «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا».
ولا أحسب أن عاقلاً واحداً يفرح إذا مر من عمره عاماً أو بعض عام، ما لم يقدم فيه ما يشرح صدره ويُعلى قدره، مستعملاً في تصنيف أعماله معيار الخير، فإن كانت خيراً حمد الله وسعى نحو المزيد، وإن كانت غير فليكن له مع نفسه وقفة جادة يُصلح بها شأنه، قبل أن تتسرب كل الفرص من بين أصابعه ولا يحصد وقتئذ إلا الندم، وقت أن لا ينفع الندم.
إنّ من المجزوم به، أنّ لكل إنسان في الحياة دور - مهما كانت مؤهلاته أو قدراته - يجب عليه أن يؤديه بذمة وضمير، ليرفع معني إنسانيته المكرمة فوق كل اعتبار، دون النظر طويلاً إلى ما يحصده من مجد أو مال، لأن كثرة التلفت مدعاة كبرى نحو التوقف على درب الحياة الذي لا يقيم وزناً إلا للمتحركين، بل إن الحياة لا تمنح أسرارها إلا للذي يمنحها قلبه وعرقه.
بحسبة هينة.. الإنسان حقيقة = ( أقوال + أفعال + سلوكيات ) سوية، تدفع حياته وحياة من يعول أو يدير نحو الأفضل، فإن لم يفعل فإنه = صفر، والعمر هو مساحة محدودة من الزمن متاحة بين يدي صاحبها ليؤدى ما عليه من واجبات حيال نفسه وناسه ومجتمعه، فإن تفلت الوقت أو ضاع في اللهو واللعب، فأني لإنسان هذا شأنه أن يكون مفردة مؤثرة في منظومة الحياة.
إنّ الوقت لا يحابى ولا يجامل ولا يعترف بلون أو جنس، وإنما يحترم من احترمه، ويسخر ممن أهمله، ولذا تقدم في الحياة من قضى الوقت في البحث العلمي والإنتاج، ولو كان من غير المسلمين، وتراجع وتقهقر من أهدر الوقت لهواً ولعباً ولو كان من المسلمين، لأن الوقت كأي قانون سببي لا يطلب من مستعمليه إبراز هويتهم، وإنما ينظر إلى إرادتهم وحسن استخدامهم له.
لهذا فنحن كعرب ومسلمين نحتاج بشدة إلى هذه الثقافة، حتى نتخلص من ثقافة الخزعبلات واللهث وراء السراب، لأن الحياة لن تأتى راكعة بين يدي إنسان - مهما كان - لتطلب رضاه وهو يقضى وقته في سبات واستهتار وسطحية، ثم يزعم بعد ذلك أنه زاهد أو عابد، فهذه أفكار يجب أن نلقى بها في البحر، لأنها ثبطت همم وأقعدت عزائم وجعلت الركون إلى الكسل غاية، والاستسلام للتراخي هدفاً، والكلام عن الدعة والراحة والتسلي بحوراً زاخرة من أفكار ومحاضرات ومناظرات ومناقشات، والكلام في الجدية والعمل ومواجهة الحياة جداول جافة متشققة تشكو إلى الله حالها.
إذن لنفرح ونسعد بالعام القادم، ثم نعقد النية ونصحح المسار، لتفرح بنا أيامنا كما نفرح بها!.
* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/10/article_477570.html
هذه حقيقة لا يعقلها إلا الذين عاشوا الحياة الدنيا على أنها مرحلة الزراعة لا مرحلة الحصاد، فعملوا بإخلاص وتجرد لما بعدها، فنثروا الأعمال الصالحة في كل شبر من حياتهم، وسَقَوها بعرق الجهد والتعب والبذل الجميل، وحَمَوها من آفات الرياء، وطلب الشهرة، وحب الثناء.. وظلوا كذلك يفْلََحُونَ فيها بجد في كل وقت، واثقين من تحقيق الوعد «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا».
ولا أحسب أن عاقلاً واحداً يفرح إذا مر من عمره عاماً أو بعض عام، ما لم يقدم فيه ما يشرح صدره ويُعلى قدره، مستعملاً في تصنيف أعماله معيار الخير، فإن كانت خيراً حمد الله وسعى نحو المزيد، وإن كانت غير فليكن له مع نفسه وقفة جادة يُصلح بها شأنه، قبل أن تتسرب كل الفرص من بين أصابعه ولا يحصد وقتئذ إلا الندم، وقت أن لا ينفع الندم.
إنّ من المجزوم به، أنّ لكل إنسان في الحياة دور - مهما كانت مؤهلاته أو قدراته - يجب عليه أن يؤديه بذمة وضمير، ليرفع معني إنسانيته المكرمة فوق كل اعتبار، دون النظر طويلاً إلى ما يحصده من مجد أو مال، لأن كثرة التلفت مدعاة كبرى نحو التوقف على درب الحياة الذي لا يقيم وزناً إلا للمتحركين، بل إن الحياة لا تمنح أسرارها إلا للذي يمنحها قلبه وعرقه.
بحسبة هينة.. الإنسان حقيقة = ( أقوال + أفعال + سلوكيات ) سوية، تدفع حياته وحياة من يعول أو يدير نحو الأفضل، فإن لم يفعل فإنه = صفر، والعمر هو مساحة محدودة من الزمن متاحة بين يدي صاحبها ليؤدى ما عليه من واجبات حيال نفسه وناسه ومجتمعه، فإن تفلت الوقت أو ضاع في اللهو واللعب، فأني لإنسان هذا شأنه أن يكون مفردة مؤثرة في منظومة الحياة.
إنّ الوقت لا يحابى ولا يجامل ولا يعترف بلون أو جنس، وإنما يحترم من احترمه، ويسخر ممن أهمله، ولذا تقدم في الحياة من قضى الوقت في البحث العلمي والإنتاج، ولو كان من غير المسلمين، وتراجع وتقهقر من أهدر الوقت لهواً ولعباً ولو كان من المسلمين، لأن الوقت كأي قانون سببي لا يطلب من مستعمليه إبراز هويتهم، وإنما ينظر إلى إرادتهم وحسن استخدامهم له.
لهذا فنحن كعرب ومسلمين نحتاج بشدة إلى هذه الثقافة، حتى نتخلص من ثقافة الخزعبلات واللهث وراء السراب، لأن الحياة لن تأتى راكعة بين يدي إنسان - مهما كان - لتطلب رضاه وهو يقضى وقته في سبات واستهتار وسطحية، ثم يزعم بعد ذلك أنه زاهد أو عابد، فهذه أفكار يجب أن نلقى بها في البحر، لأنها ثبطت همم وأقعدت عزائم وجعلت الركون إلى الكسل غاية، والاستسلام للتراخي هدفاً، والكلام عن الدعة والراحة والتسلي بحوراً زاخرة من أفكار ومحاضرات ومناظرات ومناقشات، والكلام في الجدية والعمل ومواجهة الحياة جداول جافة متشققة تشكو إلى الله حالها.
إذن لنفرح ونسعد بالعام القادم، ثم نعقد النية ونصحح المسار، لتفرح بنا أيامنا كما نفرح بها!.
* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/10/article_477570.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق