السبت، 19 فبراير 2011

ماذا جرى لقلوب الناس؟!



عبد القادر مصطفى عبد القادر
«أفهم أن الناس يطورون حياتهم، لا أن يقتلعون قلوبهم من صدورهم».

فيما مضي كان الحب سفينة تُقلُّ قلوب الناس على موج الحياة.. واثقة مطمئنة.. غير عابئة بالأنواء والأهوال، فلا كان الموج يرهبها، ولا كانت العاصفة تزعجها، ولا كان الرعد أو البرق يُعييها، إذ جمعت قلوبهم على معنى الحب المترفع عن أغراض الدنيا، بل وصهرتها ومزجتها في بوتقة واحدة، ولذلك لم تكسرهم عاصفة ولم تنل منهم مصيبة، فلقد كان البناء أقوى من كل المخاطر والأهوال.

ولقد كانت القلوب تقبض على دقائق العمر الجميلة كي لا ترحل، فيرحل برحيلها كائن الحب الذي كان يعشش في الدماء، وينساب في المعاملات، وكأنهم كانوا يعلمون أنها لحظات غالية ربما لن تعود، ولذا ذاقوا طعم الحياة وهم في ظل الحب الوارف يحيون بلا كراهية أو أنانية، فكان البيت الصغير يجمعهم، واللقمة الصغيرة تشبعهم، والطرفة المرتجلة تضحكهم.

وجاءت جيوش المادة، فانتكست المشاعر الجميلة في القلوب، وتعرض الحب بين الناس إلى كثير من عوامل التعرية، فتحول في القلوب إلى مجرد مسخ، وفى التصرفات إلى مجرد تكلف، بل وسُجَن الحب في حيز ضيق من الوقت، فصار التعبير عنه مجرد كلمات تُنثر عبر مناسبة أو قصيدة شعر لا يتخطى تأثيرها ثغر من ألقاها، ذلك لأن قيم المادة تدخلت في كل شيء، وأضحت معياراً لكل شيء، حتى باتت علاقات البشر تُفسر بمنطق المنفعة أو المصلحة المشتركة، فأنت صديقي ما دامت لي عندك منفعة، فإذا وُجدت المنفعة وُجدت المحبة، وإذا انتهت.. انتهت!!، وأسوأ شيء أن تسمع «أن الناس مصالح فإذا اجتمعت مصالحهم اجتمعوا، وإن تفرقت تفرقوا».

وفى سباحة مناهضة لمعني الحب الحقيقي، أقمنا صروحاً واهية من علاقات اجتماعية، وأسسنا روابط هشة من وشائج أسرية واجتماعية، انطلاقاً من مفاهيم منبثقة عن عشق المادة، بل وتقديس المادة، وتقديمها على ما سواها في السواد الأعظم من الأفعال، وما الزواج الذي يقوم على أوهام التكافؤ المادي إلا نموذجاً واحداً - من آلاف النماذج - يفصح بجلاء عن موقف المجتمع المعادى لمقومات أخرى أكثر أهمية في بناء الحياة الزوجية، مثل الدين والأخلاق والحب.

إن الحب بين الناس منحة من الله لقلوب ذاقت حلاوة الإيمان بربها، إذ قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، أن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» بل إن الإسلام نفى الإيمان عن صاحبه في بعض الآراء، أو أقر بنقصانه وعدم اكتماله لدى البعض الآخر، وذلك إذا أحب المرء لنفسه شيئاً أكثر من أخيه، قال النبي "صلى الله عليه وسلم" «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

إن الحب بهذا المعنى هو الحب الذي يفصح عن إنسانية الإنسان، وارتقائه، وترفعه عن شهوات النفس وأهوائها، وهو يمارس حياته مشدوداً بين روح تريد أن ترتقي إلى السماء، وبين مادة تريد أن تخلد إلى الأرض.

* باحث في علم الإحصاء
http://www.aleqt.com/2010/12/05/article_475753.html

ليست هناك تعليقات:

  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...