08/21/2011 | عبد القادر مصطفى
سوف يمكث المحللون طويلاً أمام هذه السمة التي تنفرد بها شخصية الإنسان المصري دونما غيره من البشر، فمن المعروف فيزيائياً أن الضغط يولد الانفجار إذا ضاق الوعاء على محتواه إثر مؤثر خارجي.
وحياتياً فإن الضغط متمثلاً في مؤثرات ضاغطة وظروف قاسية يولد نوعاً من التمرد والعصيان والاضطراب والخروج عن جادة الصواب.
لكن، وبكل صدق فإن الأمر يختلف لدى أبناء أرض الكنانة، فعندما يُوضع المصري تحت الضغط تتفجر منه طاقات الإبداع، وإذ به يتحول إلى مارد عملاق يصنع المستحيل ويحقق الإعجاز على نحو يكسر حلقة المألوف والمعتاد من الأفعال، وكأنه قد استلهم من غير المألوف قوة على قوته وطاقة على طاقته، فيأتي بأفعال تفوق كماً ونوعاً حجم المتصور أو المتوقع.
هذه الحالة الفريدة لازمت المصري على مدار تاريخه القديم والحديث والمعاصر، وقد يكون الأمر مرتبطاً بالجينات الوراثية التي تختزن فيها كماً هائلاً من المواهب والملكات والقدرات الخاصة، التي لا يدركها صاحبها في الظرف العادي، الذي ربما لا يهيئ القاعدة المناسبة لانطلاق هذا الكم من الموهبة إلى واقع الحياة ليعبر عن نفسه في صورة إبداع أو إجادة.
لكن وتحت الظرف الطارئ أو الاستثنائي، وحين لا تتوقع أن يفعل المصري شيئاً.. تكون نقطة التحول المدوية، فيصنع على نحو مدهش ما عجز أبرع المتفائلين عن تصوره، وذلك في مشهد ينتزعك من المكان والزمان القائمين إلى منطقة تشبه إلى حد كبير منطقة الأحلام، حيث ترى كثيراً جداًً في زمن يسير للغاية.
وبنظرة سريعة إلى الماضي لنرى كيف بني المصري القديم الهرم الذي حير ألباب أبرع المعماريين والمهندسين في شتى بقاع الأرض، ولا يزال العلم الحديث بكل بما أوتى وسائل وتقنيات يقف عاجزاً حائراً أمام العديد من الألغاز والطلاسم التي لا يريد هذا البناء أن يفضى بها حتى الآن..
لنرى كيف بني المعابد التي تتحدى الزمن..؟.
لنرى كيف علم سر التحنيط الذي عجزت عنه علوم الدنيا حتى وقتنا الراهن؟.
لنرى ونرى ونرى..الخ.
ثم بنظرة أخرى إلى التاريخ الحديث لنرى كيف شق المصريون - برغم كل ما يُقال - هذا الشريان الحيوي الذي يربط بين البحرين والذي يسمى قناة السويس..؟
لنرى كيف بني المصريون ذاك السد العملاق المسمى بالسد العالي..؟
لنرى كيف حقق المصريون النصر في 73..؟
إن أداة الاستفهام هنا تنقش وراءها آلاف من علامات التعجب والدهشة، فكل هذه إنجازات بل إعجازات لا يكاد يتصورها عقل، خاصة وقد اكتنف تنفيذها وإخراجها للحياة قديماً وحديثاً كثيراً من المعوقات والعراقيل التي كانت تفرض استحالة التنفيذ بمنطق العقل والحساب، لكن الإرادة المصرية عندما توضع على المحك فإنها تخترق حسابات المنطق وتفرض منطقها المستلهم من حضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ
ثم كانت ثورة 25 يناير والتي لم يتوقع أبرع المحللين تسلسل أحداثها على هذا النحو المدهش، فبينما تخيل الكثيرون أن الشعب قد مات إكلينيكيا إثر استسلامه للكبت والذل، إذا به ينتفض انتفاضة المارد في ثورة بيضاء على الظلم والفساد، فيسقط من لم يتخيل عقل أنهم سيسقطون، في مشهد لن يغيب عن ذاكرة التاريخ يوما.
ثم كانت أحداث الحدود مع إسرائيل فرصة لتبليغ رسالة شديدة الدقة إلى إسرائيل ومن حولها وهي أن مصر قد استيقظت ولن تعود إلى النوم مرة أخري، وأن المصريين قد استشعروا كرامتهم واستردوا كبريائهم، ولن يسمحوا لكائن من كان أن يفقدهم ما استردوه بدماء شهدائهم الأبرار.
إن على إسرائيل أن تقرأ وأن تمعن في القراءة.
abdelkader_khalel@yahoo.com
http://www.albedaya-algadida.com/article-2687.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق