07/28/2011 | عبد القادر مصطفى
قبل 25 يناير احتل الإخوان المسلمين رقعة لا بأس من حبِّ الناس ومن تعاطفهم لأنهم كانوا الأقرب إلى الشارع، كما أنهم كانوا يتحدثون بلغة تستميل قلوب الناس لتعلقها «بقال الله، وقال الرسول»، إضافة إلى مُكون ثالث مُتمم، لا يقل أهمية وهو تعرضهم لملاحقات واعتقالات فُُسِّرتْ بأكثر من تفسير لدى كثير من أطراف المعادلة السياسية في مصر، لكن الشارع لم يعبأ كثيراً بهذه التفاصيل، وتعاطف فطرياً وتلقائياً مع الطرف المضطهد، على اعتبار أنه الطرف الأضعف في معادلة الصراع السياسي على الساحة.
الآن وقد تحرر الإخوان من هذا التضييق ومن ذاك تحجيم، بأن صار لهم حزباً سياسياً يخضع للجماعة فكراً وتنظيماً، وأكثر من حزب يحمل ذات الأفكار وإن بدا أنه لا يدور في نفس الفلك التنظيمي للجماعة، فإن الأمر قد اختلف كلياً، إذ انتقلت مشاعر الناس من «التعاطف مع» إلى «التعويل على»، ومن ثم فالكلمات مرصودة، والأفعال محسوبة، والآمال معقودة من قبل العقل الجمعي للمجتمع، وهو عقلٌ لا يخطئ في الحساب، ولا في العقاب!.
لقد طالب الإخوان عبر عقود مضت بفرصة كي يثبتوا جديتهم في حب مصر، وحمل الخير لها ولشعبها، فجاءتهم الآن أكثر من فرصة ليترجموا ما قالوه إلى حقائق يلمسها الناس في حياتهم، وذلك - في تصوري - محكٌ كاشف، وامتحان حقيقي سيشهد الناس في بلدي قدرة الإخوان على اجتيازه أو عدم اجتيازه في المرحلة القادمة، إذ ذهبت السكرة وجاءت الفكرة!.
إن المناورة من قبل الإخوان بالترفع عن المناصب السياسية في المرحلة الراهنة لن يمر مرور الكرام على عقول المتأملين لمسلسل الأحداث، فالظاهر يوحى بأنه لا مطمع للإخوان في سلطة أو منصب، وهو ما أعلنوه وما نشروه، ولكن النظرة المتأنية لبواطن الأمور لا يمكن أن تتوقف عند هذا «التبرير المثالي» الذي برر به الإخوان موقفهم من تولى المناصب، ذلك لأن الحساب السياسي لا يعتمد مطلقاً على تلك المثاليات.
المسألة - في رأيي - تقوم على حساب دقيق قام به الإخوان حول جدوى قبول بعض المناصب السياسية، أو الإعلان عن دفعهم لمرشح لهم على منصب الرئاسة.. ذلك الحساب أفضى إلى التأجيل حتى حين، وذلك لعدة أسباب - هي من وجهة نظري - كالآتي :-
(1) الإخوان يدركون جيداً أن أرباب المناصب السياسية سيواجهون في الوقت الراهن متاعب جمّة، قد تعرضهم «للاحتراق شعبياً» وهو ما لا يريده الإخوان الذين يعتمدون على التعبئة الشعبية اعتماداً كبيراً.
(2) الإخوان يفضلون دائماً أن يبدؤوا من قاعدة الهرم (النقابات - مراكز الشباب - المساجد - الجمعيات الاجتماعية - المحليات.. الخ).
(3) الإخوان يلعبون بإتقان دور المشاهد الجيد حتى تتضح الصورة، والمشارك المنظم إن دعت الضرورة، والناصح الجيد إن تعثر الأمران.
(4) الإخوان لا يريدون أن ينكشفوا في مشهد سياسي لا يتفق مع الصورة الذهنية المتراكمة في عقل رجل الشارع، والتي نجح إعلامهم المنظم في تشكيلها.
ربما يتفق معي البعض أو يختلف حول هذه الأسباب، ولكن تبقي وجهة نظر قابلة للنقاش والنقد، في إطار المشهد العام الذي يتحرك فيه الإخوان بشيء من الحنكة والحذر، خاصة والإخوان لا يريدون مكاسب وقتية، خاصة وأن طبيعة الظروف تسمح بتحقيق مكاسب طويلة المدى ولكن بشيء من الحكمة والصبر، ومن ثم عَمَدَ الإخوان إلى خلق مناطق متنوعة من التفاهم مع كافة القوى تقريباً، كما استطاعوا أن يؤثروا بشكل فعال في القرارات الجارية على الساحة، وهو ما يشكل - في رأيي - توطئة مناسبة للقادم من الأيام.
إنَّ الإخوان أمام امتحان ليس ككل الامتحانات.. والمخرج الوحيد هو: النتائج التي يلمسها المواطن عن قرب، فلقد ولى زمن الخطاب الذي يدغدغ المشاعر.
وفق الله كل المصريين لخدمة مصرنا الغالية.
abdekader_khalel@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق