الخميس، 28 يوليو 2011

الإخوان والاختبار الأصعب! بقلم: عبد القادر مصطفى



قبل 25 يناير احتل الإخوان المسلمين رقعة لا بأس من حبِّ الناس ومن تعاطفهم لأنهم كانوا الأقرب إلى الشارع، كما أنهم كانوا يتحدثون بلغة تستميل قلوب الناس لتعلقها «بقال الله، وقال الرسول»، إضافة إلى مُكون ثالث مُتمم، لا يقل أهمية وهو تعرضهم لملاحقات واعتقالات فُُسِّرتْ بأكثر من تفسير لدى كثير من أطراف المعادلة السياسية في مصر، لكن الشارع لم يعبأ كثيراً بهذه التفاصيل، وتعاطف فطرياً وتلقائياً مع الطرف المضطهد، على اعتبار أنه الطرف الأضعف في معادلة الصراع السياسي على الساحة.
الآن وقد تحرر الإخوان من هذا التضييق ومن ذاك تحجيم، بأن صار لهم حزباً سياسياً يخضع للجماعة فكراً وتنظيماً، وأكثر من حزب يحمل ذات الأفكار وإن بدا أنه لا يدور في نفس الفلك التنظيمي للجماعة، فإن الأمر قد اختلف كلياً، إذ انتقلت مشاعر الناس من «التعاطف مع» إلى «التعويل على»، ومن ثم فالكلمات مرصودة، والأفعال محسوبة، والآمال معقودة من قبل العقل الجمعي للمجتمع، وهو عقلٌ لا يخطئ في الحساب، ولا في العقاب!.
لقد طالب الإخوان عبر عقود مضت بفرصة كي يثبتوا جديتهم في حب مصر، وحمل الخير لها ولشعبها، فجاءتهم الآن أكثر من فرصة ليترجموا ما قالوه إلى حقائق يلمسها الناس في حياتهم، وذلك - في تصوري - محكٌ كاشف، وامتحان حقيقي سيشهد الناس في بلدي قدرة الإخوان على اجتيازه أو عدم اجتيازه في المرحلة القادمة، إذ ذهبت السكرة وجاءت الفكرة!.
إن المناورة من قبل الإخوان بالترفع عن المناصب السياسية في المرحلة الراهنة لن يمر مرور الكرام على عقول المتأملين لمسلسل الأحداث، فالظاهر يوحى بأنه لا مطمع للإخوان في سلطة أو منصب، وهو ما أعلنوه وما نشروه، ولكن النظرة المتأنية لبواطن الأمور لا يمكن أن تتوقف عند هذا «التبرير المثالي» الذي برر به الإخوان موقفهم من تولى المناصب، ذلك لأن الحساب السياسي لا يعتمد مطلقاً على تلك المثاليات.
المسألة - في رأيي - تقوم على حساب دقيق قام به الإخوان حول جدوى قبول بعض المناصب السياسية، أو الإعلان عن دفعهم لمرشح لهم على منصب الرئاسة.. ذلك الحساب أفضى إلى التأجيل حتى حين، وذلك لعدة أسباب - هي من وجهة نظري - كالآتي :-
(1) الإخوان يدركون جيداً أن أرباب المناصب السياسية سيواجهون في الوقت الراهن متاعب جمّة، قد تعرضهم «للاحتراق شعبياً» وهو ما لا يريده الإخوان الذين يعتمدون على التعبئة الشعبية اعتماداً كبيراً.
(2)  الإخوان يفضلون دائماً أن يبدؤوا من قاعدة الهرم (النقابات - مراكز الشباب - المساجد - الجمعيات الاجتماعية - المحليات.. الخ).
(3) الإخوان يلعبون بإتقان دور المشاهد الجيد حتى تتضح الصورة، والمشارك المنظم إن دعت الضرورة، والناصح الجيد إن تعثر الأمران.
(4) الإخوان لا يريدون أن ينكشفوا في مشهد سياسي لا يتفق مع الصورة الذهنية المتراكمة في عقل رجل الشارع، والتي نجح إعلامهم المنظم في تشكيلها.
ربما يتفق معي البعض أو يختلف حول هذه الأسباب، ولكن تبقي وجهة نظر قابلة للنقاش والنقد، في إطار المشهد العام الذي يتحرك فيه الإخوان بشيء من الحنكة والحذر، خاصة والإخوان لا يريدون مكاسب وقتية، خاصة وأن طبيعة الظروف تسمح بتحقيق مكاسب طويلة المدى ولكن بشيء من الحكمة والصبر، ومن ثم عَمَدَ الإخوان إلى خلق مناطق متنوعة من التفاهم مع كافة القوى تقريباً، كما استطاعوا أن يؤثروا بشكل فعال في القرارات الجارية على الساحة، وهو ما يشكل - في رأيي - توطئة مناسبة للقادم من الأيام.
إنَّ الإخوان أمام امتحان ليس ككل الامتحانات.. والمخرج الوحيد هو: النتائج التي يلمسها المواطن عن قرب، فلقد ولى زمن الخطاب الذي يدغدغ المشاعر.
وفق الله كل المصريين لخدمة مصرنا الغالية.
abdekader_khalel@yahoo.com  

http://www.albedaya-algadida.com/article-2098.html

الجمعة، 15 يوليو 2011

ورقة الامتحان.. هل آن الأوان؟!

ورقة الامتحان.. هل آن الأوان؟! 




أتصور أنه قد حان الوقت لننظر بإرادة التغيير إلى نظام الامتحان المعمول به حالياً في مرحلة التعليم قبل الجامعي والمتمثل في ورقة أسئلة وورقة إجابة، وما يتمخض عنهما من لجان وتكاليف باهظة، وذلك اتساقاً مع ما تفرضه اللحظة الآنية من ضرورة إيجاد آليات جديدة لإنتاج أجيال جديدة بأفكار جديدة، بعيداً عن تلكم النظم النمطية التي وضعت عقول النشء في قوالب صماء على مدي عقود طويلة، والنتيجة تعليم لا يفرز مبدعين ولا خلاقين إلا في حدود الاستثناء وبمحض الصدفة لا أكثر.

الامتحان بالورقة بشكله الراهن لا يمثل - في رأيي - إلا سلة أو وعاء تُلقي فيه المعلومات المُخزنة عبر عدة شهور، كي يلقي هو بدوره في أرشيف ما لوقت ما وانتهت القصة عند ذلك، دون أن يكون لهذا الامتحان بصمة علمية واضحة على حجر الزاوية في العملية التعليمية ألا وهو الطالب، على نحو ما نري من تجمد ملموس في المستوي الفكري والعلمي والمهاري لمعظم من يتمون مرحلة التعليم قبل الجامعي، ذلك لأن النظام بهيئته الراهنة لا يمكنه تحقيق ما هو أكثر.

الامتحان يجب أن يكون تأكيداً على مجموعة من المفاهيم العلمية والعملية والتربوية، لا مجرد تفريغ لمعلومات مخزنة على ورقة بيضاء في مدى زمني معين، دون أن يكون لتلك المعلومات أي أثر في بناء الفكر، وتنمية القدرات والمهارات، وتعزيز الثقافة والمعرفة، على نحو يجعل من الامتحان خطوة انتقالية، لا محطة نهائية، تسقط عندها كافة المعلومات في هوة النسيان، لتبدأ الكرّة من جديد في عام دراسي جديد، وانتهى الأمر.

كما أن الامتحان بنظامه التقليدي الراهن، لا يمكن بأي حال أن يعبر عن قدرات الطالب ومعارفه بشكل صادق، لأن التقييم ينبني على مجرد معلومات مُفرغة داخل ورقة، ربما جاءت بطريق الحفظ، أو بطرق أخري، ومن ثم فجعل ذلك هو المقياس الوحيد للحكم على المستوى العلمي للطالب أمر فيه تجنٍ كبير على قطاع ليس بالهين من طلاب لا يتقنون التعامل مع ورقة الأسئلة والإجابة، تحت تأثير جو الامتحان، وضغط الوقت، وملاحظة لجنة الامتحان، وبالتالي فكثير منهم يتوترون فلا يجيدون وضع كل ما لديهم من معلومات داخل ورقة الإجابة، وبالتالي يهدرون درجات ما كان لها أن تُهدر لو راعى نظام الامتحان الجوانب النفسية للممتحن.

إنّ عملية الامتحان يجب أن تكون شاملة ومستمرة وصادقة، وذلك لا يمكن تحقيقه في ظل ورقتي الأسئلة والإجابة، وعليه يمكن جمع سلبيات طريقة الامتحان الحالية في النقاط التالية:-
(1)           محدودية دور المعلم في تقييم الطالب.
(2)           الاعتماد شبه الكلي على الطريقة التحريرية في الامتحانات.
(3)           عدم تنوع أساليب القياس والتقييم.
(4)           إتاحة فرص أوسع للغش الفردي والجماعي.
(5)           فتح الباب على أمام الدروس الخصوصية.
(6)           عدم قياس بعض الجوانب المهمة لدى الطالب مثل المهارات الخاصة والنمو المعرفي.
--
 abdelkader_khalel@yahoo.com

الخميس، 14 يوليو 2011

الزوجة اللُُّغز!






.. عندما ترحل البساطة عن عش الزوجية، تتحول تلك الأعشاش إلى سجون، يتمنى ساكنوها يوماً يتحررون فيه منها.

والزوجة هي من تملك العصا السحرية لجعل البيت جنة، أو إحالته إلى جحيم مقيم.. ذلك لأن الله هيأها كي تكون سكناً لزوجها، فإذا تنكرت للفطرة التي خُلقت عليها، أثر وساس من إنس وجن، تحولت من كائن رقيق حنون يشع رحمة ومودة، إلى كائن غليظ قاس يجيد صناعة النكد والتعاسة.

كنت ولا زلت أوقن بأن الزوجة ستبقى بصفاتها الجميلة ما دام زوجها وبيتها باقيان على رأس أولوياتها، وما دامت تعتقد بأن هذه رسالتها الأسمى في الحياة، وما دونها مجرد أمور ثانوية تدور في خدمة مهمتها الأولى في الحياة، ألا وهي رعاية زوج، وتربية أبناء صالحين.

لكن الذي حدث أن قائمة أولويات الزوجة قد شهدت ثورة انقلابية في العقدين الأخيرين، ترتب عليها إعادة ترتيب بنودها، فصار الزوج في الذيل، وربما جاء الأبناء في المنتصف، وقبل هذا جاءت رغباتها في احتلال مساحة تحت ضوء الشمس، فآثرت أن تنجح في عملها وترسب في بيتها، ذلك لأنها أنفقت جل وقتها وطاقتها لتكون في منطقة الرؤية والشهرة، بعدما امتعضت من دورها كجذر يهب لأركان البيت الثبات والحياة.

يجب أن نعترف بأن زوجة اليوم ليست كزوجة الأمس، ذلك لأن القيم الذاتية والنفسية قد تبدلت، فصارت الزوجة تبحث عن نفسها في زمن العولمة الذي عبَّدَ لها الطريق كي تزاحم الرجل من مناطقه، لتثبت المساواة المزعومة أمام أنانيتها، وأمام كاميرات تلتقط، وتلفاز يعرض، وصحف تدون.

صحيح أن المرأة قد برزت وصار لها بين الزاعقين صوتاً، لكنها تأخرت تأخراً عظيماً على مستوى بيتها، وما النار التي تأكل استقرار البيوت إلا نابعة من هنا، وما الانحدار الأخلاقي والسلوكي والعلمي لدى الأبناء إلا انعكاس طبيعي لهذا التطلع النرجسي الذي دفع الزوجة لمبارحة عشها وسكنها.

وقد يُفهم أني أرفض عمل الزوجة، وهذا محض تخمين، ولكن أقصد الترتيب الصحيح لقائمة الأولويات، فإذا تعارض العام مع الخاص، فلابد من ترجيح العام، وإذا تعارض الأصل مع الفرع، فلابد من الانحياز للأصل.. العقل يقرر ذلك، كي يبقى قطار الحياة ماضياً على قضبانه بلا انزلاق ولا كوارث.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والله من وراء القصد.
---

http://www.albedaya-algadida.com/article-1854.html


abdelkader_khalel@yahoo.com

الأربعاء، 13 يوليو 2011

كُنتَ تنوي الرحيل!!


بسم الله الرحمن الرحيم
هي كلمات غير منظومة انثالت حروفاً هنا، كما انثالت على الخدِّ الدموع، في رثاء ابننا الكريم الطبيب / محمد جمال الشربيني.. طيب الله ثراه.

كُنتَ تنوي الرحيل!!


أيا محمد.. هــــــــــل آثرتَ الرحيلْ؟!
وعزمتَ أنْ تمنعنا ذا الوجه الجميــلْ
في غفلة منـــــــا عَبــــــــرتَ..
نحـــــو الخلـــــــودِ في جنبِ الجليــلْ
أهو العشقُ الذي كنتَ تهوى؟!
في صلاتــكَ، كنت تبحــثُ عن دليــلْ
رأيتكَ عـلى مــــــــدار خمـس..
تَعُـــودُ المسجـــد، والخشـوعُ خليــلْ
كَـمْ كنتُ أهــــوى يــــا محـمد..
بــــــراءة منــــك تَصْحَــــبُ التهليــلْ
إذ الإيمـان فـي جبينك ينتشي..
كالندى على خـــــــدِّ الصبـاح يَسيــلْ
الآنَ وقد غادرت في صمــتٍ..
وانطـفأ في دربنــا فـَـــذ ُّ القنـــاديـــل
هـل نملك إلا الدمـوع سـلـوى؟
وليت الدمــــــــوع تردٌّ المُستحيـــــلْ
لكنك في القلوب سوف تبقى..
بسَمْتِــــكَ.. بــــــــذا الخُلـــــقُ النبيـلْ

الاثنين، 11 يوليو 2011

التربية الأخلاقية والإبداع




لا يمكن لعناصر التعليم والتدريب والتحفيز، رغم أهميتها، أن تخلق الموظف المبدع الخلاق في مجال عمله، ما لم يكن مُعَدَّاً نفسياً ومُجهزاً عاطفياً لخوض غمار الوظيفة، على نحو يدفعه لإجادتها وإتقانها والإبداع فيها.
ورغم هذا، فلا زال النظام الإداري السائد في الواقع العربي يعتقد أن تجويد العناصر الثلاثة السابقة الذكر هي السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى إحداث النهضة المنشودة في أداء الموظف، وهو التصور الذي أثبتت التجارب المتتالية قصوره في ظل حالة التراخي والفتور التي أصابت كثيراً من الموظفين، ذلك لأنهم فقدوا الحماس والمحبة لأعمالهم، رغم حصولهم أغلبهم على شهادات عليا، وخضوعهم لتدريب مستمر، وحصولهم على مكافآت مٌغرية، دليلُ ذلك انخفاض حجم الإنتاجية المستهدفة من أداء الموظف كماً وكيفاً.
إنَّ الجوانب المادية رغم أهميتها تظل قاصرة عن إيجاد الموظف المثالي ما لم يتواكب معها إيقاظ وتنمية الجوانب المعنوية عبر تربية خُلقية رشيدة، لأن التربية الأخلاقية هي القادرة على تفجير طاقات الحماس والإبداع والانتماء وكسر حلقة المألوف.. الخ.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا فقد الموظف حماسه لوظيفته، فراح يؤديها على نحو نمطي، بلا حب ولا إبداع؟!.. إنَّ لذلك أسباباً كثيرة، أقتبس منها الآتي بإيجاز شديد:-
(1)    التقصير في التربية الإيمانية السلوكية منذ الصغر، إذ ينصب مفهوم التربية الإيمانية في واقعنا على الجوانب الساكنة في الدين، دون التركيز على ما يجب أن يتبعها من سلوك ومعاملات في واقع الحياة، فقضية أداء العمل بذمة وضمير، ودقة وإتقان، هي من قضايا الدين المتحركة التي لا تلقى العناية اللازمة في تربية النشء، الأمر الذي يترتب عليه إنتاج عناصر بشرية مهملة و مستهترة.
(2)    التقصير في بناء عنصر الانتماء للوطن، وترك الأمر لبعض الشعارات الرنانة والأغاني الجوفاء.. دليل ذلك حجم التسيب الإهمال عند ممارسة العمل العام في كثير من القطاعات لدي كثير من موظفي الدولة، الذين ينقلب حرصهم واهتمامهم ناحية النقيض إذا اتصل العمل بمصالحهم الشخصية والفئوية.
(3)    ربط القيم بعنصر المادة، فلا يعمل ولا يتقن إلا بمقابل مادي، وهو أمر يحطُّ من شأن المثل والقيم، فكل ما يُعَيَّر بالمادة رخيص مهما علا ثمنه..ولذلك لما قادت الرغبة المادية طموحاتنا الوظيفية، توقف الكثيرون عن أداء أدوارهم على النحو المنشود.
هذه العناصر الثلاثة إن أحسنا إعدادها فسوف تشكل - في رأيي - الأساس المتين لعقيدة العمل لدي الموظف، وهي الكفيلة بتفجير طاقات الإبداع لديه، على نحو يؤهله لتجاوز المألوف، وهو الأمر الذي لا تحققه شهادة عليا، ولا يحققه تدريب مستمر، ولا مكافآت سخية.

http://www.albedaya-algadida.com/article-1810.html

--
 ت: 0107559278

الأحد، 10 يوليو 2011

كي لا يكون الشك مذهبا..!




الشك صناعة إبليسيه محضة، والشيطان أول من زرع الشك والريبة في قلوب البشر..
وكان المشهد الأول مع ابينا آدم وأمنا حواء حين دخلا الجنة كما شاء الله ليأكلا من ثمارها حيث أرادا، إلا شجرة واحدة أمرهما الله بالكفِّ عنها لحكمة يعلمها سبحانه، فأبى إبليس اللعين، الذي أخذ الوعد بالخلود إلى يوم الدين، أن يتركهما في هذا النعيم، بعدما كان عصيانه بالسجود لآدم - تنفيذاً لأمر الله - سبباً في طرده من رحمة الله، فوسوس لهما كي يشككهما في أمر الله ويلقى في نفسيهما أول بذرة للشك، كي يصل بهما إلى حالة من زلزلة الاستقرار النفسي، تحت وطأة الإغراء والتزيين والإيهام.

من هنا كان ميلاد أول نبتة للشك في نفس أبى البشرية آدم الذي هبط بها إلى الأرض، لتنتقل من جيل إلى جيل، متطورة بتطور حياة البشر وطرق عيشهم وأساليب تفكيرهم، حتى صارت الآن لازمة لا يكاد يخلو منها فكر أو فهم أو سلوك، بل صارت الآن صناعة يقوم بها أفراد وتقوم بها جهات ودول خدمة لمجموعة من الأغراض التي تتباين في مدى خبثها ومكرها، لكنها تظل صناعة و طريقة مثلى أمام بعض القوى لبناء الهواجس والظنون حيال الثوابت والمعتقدات من أجل إحداث الفتن بين طوائف المجتمع، أو زلزلة الإيمان بالقيم والمبادئ الوطنية والدينية، أو إحداث حالة من التمرد ضد شخص أو مجموعة أشخاص لحجب الأضواء عنهم وتقليص دورهم في الحياة العامة من خلال رأى عام معارض.

وقد تقمص زارعو الشك في الواقع أكثر من دور ومثلوا أكثر من وجه على مسرح الحياة العامة..

-   فمنهم من أشهر قلماً وقال إنه كاتب ينقل للناس الحقائق المجردة، ويعلن عليهم كل الخفايا بكل شفافية، ويبرز أمامهم كل الخطايا بكل نزاهة، ويكشف لهم ستر المفسدين بلا تمييز، وهو في حقيقة الأمر لا يفعل شيئاً من ذلك، حيث نشر الأكاذيب بلا ضمير، ونثر الشائعات فوق رؤوس البشر بلا مسئولية، وأساء بقلمه إلى من لا يستحقون الإساءة، وحَرَّف الكلام وشخص مراميه على نحو أعوج، وذلك كله لبلبلة الناس، أو الصيد في الماء العكر، أو البحث عن الشهرة وذيوع الصيت تحت مسمى السبق الصحفي، والسبق الصحفي بريء من ذلك براءة الذئب من دم بن يعقوب.

-   ومنهم من يعتلى منبر الوعظ، ويرتدى ثوب الدين، ثم يقفز إلى أفكار الناس من خلال جماعة أو صحيفة أو فضائية من الفضائيات تحت مسمى تطوير الخطاب الديني أو إيقاظ الوعي الديني، وما أكثر النماذج التي أفرزتها وسائل الإعلام خلال العقد الأخير، بعضها أفاد الناس بتبيان صحيح الدين، وإيضاح قيمه الأساسية ومثله العليا، والدفع بهذا المفهوم في واقع الحياة ليكون سلوكاً لا شعارات، وأفعالاً لا مجرد كلمات، وذلك في إطار المنظومة الاجتماعية التي تـُـظل جميع الأطياف الفكرية في ظلها بلا تعصب أو تشنج أو دعوة إلى فرقة، لكن شريحة ليست بالهينة من هؤلاء شككت الناس في مأكلها و مشربها و ملبسها، بل وفى عبادتها وتقربها إلى الله، وراحت تعزف على التشدد في فروع الدين، وجرت إلى ذلك شباباً غضاً راح يحلل ويحرم بلا أدنى خجل أو خوف، ولا أبسط من أن يقول هذه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فمن الذي علم هذا الشبل أن يصدر أحكاماً بلا علم؟،إنها حالة اللاءات المنتشرة بشكل ملحوظ في أمور الدين، وهى حالة منشطرة عن قنبلة الشك والوسوسة في شأن الدين.

-    ثم نجد أنفسنا أمام فريق ثالث مارس زراعة الشك على نحو أكثر حرفية، وهو الفريق الذي «سيس» الدين، أو وظفه توظيفاً سياسياً بحثاً عن مقعد مرموق تحت ضوء الشمس، من أجل إشباع رغبة سلطوية تهفو إليها النفس البشرية بحكم تكوينها، بيد أن المعضلة لا تكمن في طموح الوصول إلى منصب ما، خاصة في ظل إقرار التعددية واتساع رقعة الحرية، لكنها تكمن في الطريقة المريبة التي تتعامل بوجهين وتؤلف بينهما في مشهد يدعو للعجب، لأنه لا يخفى على كل ذي اهتمام وتأمل أن هناك انفصام وانفصال بين باطن هذه الأيديولوجيات و ظاهرها، فهي تفكر بطريقة، وتتحدث فيما بينها بطريقة، وتتكلم مع الشارع بطريقة، وتتحدث مع الخاصة بطريقة، وكل طريقة تختلف عن الأخرى شكلاً ومضموناً، والشيء العجيب أنها تملك لكل طريقة من هذه الطرق أدوات ووسائل طيعة ومطيعة تنفذ بلا مناقشة، والأعجب أن تحاول أن تجرى تزاوجاً بين الأمر ونقيضه في محاولة غريبة لخلط الزيت بالماء، ولا أدرى ما هي النتيجة التي ترجوها من وراء ذلك..؟، اللهم إلا محاولة خلق رأى عام يؤيدها من خلال إتباع طريقة التشكيك في النوايا والأفعال، وإبراز تصريحات تدعو للإحباط والتمرد على الواقع، ثم تفسر كل ذلك وتبرره بقاعدة الضرورات، وبقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
  
وهكذا تعددت صور مروجي الشك في المجتمع وما سبق مجرد نماذج فقط، ورأيي أن في ذلك أكبر خطر يهدد المجتمع، بل هو أخطر مما يتهدده من الخارج، لأن فقدان الثقة وانتشار آفة الشك أكبر مفسدة لعلاقة الناس بربهم، وعلاقة الناس بوطنهم، وعلاقة الناس ببعضهم، بل وظن الناس بأنفسهم، وهنا تتحول الحياة إلى ضنك وقلق مستمر..
فكيف تتقدم عجلة التنمية في ظل رسم علامات الشك على كل كلمة وفعل وإنجاز؟
كيف يحيا الناس في وئام وحب بينما دأب فريق على سوء تفسير النوايا هنا وهناك؟
كيف يتوحد المجتمع صوب غاياته الكبرى وكل تيار يشكك في أهداف التيار الآخر؟
إن الحياة عندئذ تتحول إلى كابوس مزعج للجميع.

وحتى لا يُفهم من كلامي أنى أشبه زارعي الشك بالشياطين أقول..
«إن الإنسان يجمع في كيانه صفات لخلق كثير من خلق الله، وهو في ذلك متنازع بينها، فهو متنازع بين متطلبات الروح ومتطلبات المادة، فإذا ما غلبه جانب حكم عليه به، فإن مال إلى جانب الروح سعى إلى غير موصول إليه، وإن مال ناحية المادة انحط إلى ما دونه من خلق الله، وإن أجرى بينهما التوازن حقق إنسانيته وهو المطلوب، لكن المشاهد لواقعنا الآن يرى بجلاء تعدد منصات النقد وقواعد التشكيك بلا سقف أو حدود، الأمر الذي يتجاوز حدود الإنسانية إلى صفات شيطانية تصيب الحياة والأحياء بالعطب، من هنا أقول: إن من سعى لنثر بذور الشك لغرض أو بلا سبب وجيه فقد تقمص دور الشيطان الذي لا يريد للإنسان استقراراً ولا هناءً في مقاله أو حاله أو أي شأن من شئونه».

http://www.albedaya-algadida.com/article-1786.htm

 

الخميس، 7 يوليو 2011

مزايا الصمت في زمن الثرثرة..!

تحرير مقال




كثيراً ما أواجه نفسي بهذا السؤال.. لماذا لا نجيد فن الصمت، أو لغة الصمت، أو بلاغة الصمت؟ أو بالأحرى.. لماذا نعتبر كثرة الكلام دليل حياة، ونعتبر بعض الصمت سعياً نحو الموت؟!!.
يتدافع ذاك السؤال بأطياف شتى على تلالفيف عقلي يبحث عن إجابة وقتما أرى صياحاً بلا مغزى، أو نقداً بلا معنى، أو حواراً بلا هدف، أو مناظرة بلا مضمون.. فأقول في نفسي: لماذا تستهوى دوامات الثرثرة والجدل العقيم أفئدة كثير منا.. رغم أن طرحها مُر، وحصادها شوك.. خصومات.. بحة في الأصوات.. أي أن المحصلة تساوى صفراً، بل وأدنى؟!.

وبعد طول تأمل وتفكير قلت: كثرة الكلام عجز عن إدراك فضيلة الصمت.. رغم أن الصمت ضرورة أخلاقية، ولازمة اجتماعية.. كيف؟!...
في رأيي أن الكلام مثل الحركة، والصمت مثل السكون، والبشر يحتاجون بين الحين والآخر إلى لحظات توقف وسكون.. لترتيب الأفكار، وتنظيم الخطوات، ولملمة شظايا النفس المبعثرة في متاهات الهوى، والبحث عن التافه والمجهول من عرض الدنيا..
وهنا يكون الصمت لحظة تجول وتحول.. تجول فيما مضى لمراجعة النفس ومحاسبتها، وغربلة المواقف وفرزها، وتصحيح المسار كشأن الأذكياء الذين يتعلمون من سقطاتهم وأخطائهم، ثم يتحولون من الخطأ إلى الصواب، ومن الكبوة إلى النهوض والمواصلة، ولا يدرك ذلك إلا العقلاء الذين تساوت عندهم حالة الصمت مع حالة الكلام، أو الحكماء الذين ينقشون بالصمت أروع الكلمات، ويصنعون بالصمت أجمل المواقف.
وحتى تتضح الأمور فإنه يجب الفصل بين صمت يفرضه عقل وفكر، وتمليه حكمة وموازنة، وتحركه مصلحة عامة، وبين صمت يفرضه جهل وجبن وخوف..
فالأول، مطلوب وبشدة خاصة عندما تشهد ساحة الكلمة إفراطاً مزعجاً في النقد والتجريح ونثر الشائعات بلا ضمير، ولذا فكثير من منابر الكلمة تحتاج إلى وقفة جادة لوضع أطر مهنية وأخلاقية وقانونية من أجل كلمة هادئة وهادفة وجادة.
وأما الثاني فمرفوض جملة وتفصيلاً لأنه سلبية وانهزامية وضعف في الشخصية.
إن الثرثرة بعثرة لما مضى في دروب النسيان أو التناسي، وطمس لما انقضى من مآثر وفضائل ولو كانت مثل الجبال، وحَجْر وحَجْب طويل الأمد على الآتي من الفعل و القول، فالإنسان يخسر خسراناً كبيراً إن سبق لسانه عقله، وإن تغلبت شهوة كلامه على فطرة صمته، بل إن المجتمع يخسر إن كَـثُر فيه الضجيج الذي تتوارى بين أنقاضه شاهقة الحق، وتضيع في متاهاته بَيـِّنَةُ الرشد، فلا يتبين الناس الطريق، ولا يهتدي الخلق إلى صواب، لأن الكل يثرثر، فلا مجال للسمع أو للتعقل.
يجب أن نعرف متى يجب أن نتكلم؟، ومتى يجب أن نصمت؟، فليس الصياح والعويل دليل حياة، وليس الرد العشوائي الانفعالي أسلوب دفاع، ومن حكمة الخالق أن خلق لنا لساناً واحداً وخلق لنا أذنين كي نسمع أكثر مما نتكلم، بل ووضع على جارحة اللسان سدَّين.. أسنان وشفتين، كي لا تخرج الكلمة إلا نقية مؤثرة.
وهنا أتذكر حكمة نطق بها لسان عمر بن عبد العزيز "رضي الله عنه" لما سُئل: متى تحب أن تتكلم؟ قال: أحب أن أتكلم عندما أشتهى الصمت، قيل له ومتى تحب أن تصمت؟ قال: أحب أن أصمت عندما اشتهى الكلام، والمغزى من وراء هذه الحكمة رائع للغاية، خاصة عندما يصدر من صاحب أكبر منصب بدولة الخلافة، فالكلام عند اشتهاء الصمت سوف يكون مغلفاً بالحكمة، ممزوجاً بالتأني، محاطاً بالتعقل، ومن ثم يمضى نحو أهدافه بلا إثارة، والصمت عند اشتهاء الكلام وقار وهيبة، وكبح لجماح مفردات متأججة، ومن ثم تضييق الخناق على بواعث الشر و مكامن التناحر، وعليه فالصمت على طول الخط سلبية مخيفة، والكلام على طول الخط مصيبة مزعجة.
إن لكل امرئ في الحياة دور، لو عرف حدوده، وأداه كما يجب.. فلن يجد مناسبة للثرثرة والجدل، لأن العمل يغنى عن الجدل، ولنأخذ الفرد الياباني كنموذج حي يؤكد هذا المفهوم.. كلام قليل، وعمل كثير، وإتقان مذهل، وإنتاج مشرف يعبر عن صاحبه أفضل تعبير.
وأخيراً فإن لي وقفات أضعها في نقاط ثلاث:-
الأولى.. الصمت الحكيم ليس معناه الرضا عن الأزمات، ولكن معناه التفكر من أجل اختيار أفضل الطرق لعلاجها.
الثانية.. ليس صحيحاً أن يتحدث كل من ملك صوتاً في شئون العامة، ناهيك عن الصياح والعويل غير المبرر، إنما يجب أن يترك المجال لأولى الأمر.
الثالثة.. أن نعمل سوياً في صمت خير ألف مرة من أن نملأ الأرض كلاماً بلا عمل، أو أن يقدح بعضنا بعضاً بحثاً عن مجد شخصي، لا يتحقق إلا من فوق جماجم الآخرين.
فهل علمت الآن.. لماذا يتوجب عليك الصمت في زمن الثرثرة!.
--
abdelkader_khalel@yahoo.com

الأحد، 3 يوليو 2011

لماذا يخونُ الرجل.. لماذا تخونُ المرأة؟! (2)




عبدالقادر مصطفى عبدالقادر
 
.. ورغم أهمية الأسباب العامة التي ذُكِرَ منها قبسٌ يسير في المقال السابق، والتي تساهم بقدر ما في حدوث الخيانة الزوجية بأي درجة من درجاتها، إلا أنني أتصور أن ما يتصل بالفرد من أسباب خاصة، هي التي تُشكِّلُ في مجملها الدافع الأكبر نحو استقدام هذه الآفة إلى الواقع الأسري.
ولذلك، فإنَّ من الإنصاف ألا نحمِّل المجتمع بكل زلَّاتِ الفرد، بل يجب أن نحمل الفرد بمسؤولياته أمام ربه ونفسه ومجتمعه، ذلك لأنَّ الله جمَّلَ الإنسان بعقل وإرادة، وأنزل إليه منهج عبر رسل مكرمين، من أجل ضبط عمل العقل في ميدان التفكير، وضبط عمل الإرادة في ميدان التنفيذ، وحينَ يُحاسب الفرد يوم القيامة فسوف يُحاسب وحده، ولأنه مُكَلَّفٌ بتكاليف، و مسؤول عن أدائها.
أولاً: النفس، هي أصعب امتحان يواجه الفرد في حياته، فهي تشتهي وتطلب، وليس كل ما تريده مشروعاً، وهنا تقع المواجهة بين رغبة في الاستمتاع، وبين إرادة تمنع وضمير يُحذر، ويحسم نتيجة تلك المواجهة مدي قوة عامل الإيمان بالله والحياء والخشية منه.
والحقيقة، فإن ثقافة بناء النفس على المستوى الفردي توشك أن تكون معدومة في واقعنا العربي، لأن الفرد العربي مهمل في جمع المعارف، وتثقيف الذات، وتنمية المهارات والقدرات، وهي المفردات التي تنمي الفكر وتستثمر الوقت والجهد بطريقة إيجابية، وبالتالي فإن هذا الإهمال يطرد وقتاً وطاقة يمهدان الطريق للوقوع في الخيانة بأي صورة من الصور.
ثانياً: النفاق الذاتي أخطر مرض عصري يصيب الفرد، وذلك حين يمارسه على ذاته، بأن يكون ملاكاً في العلانية، وشيطاناً في الخفاء، بل ويبرر لنفسه الخطأ، كي يستمر فيه، ويوم أن ينكشف أمره أمام الناس يعلن الندم على أفعاله المُخزية، وللأسف فإن تكنولوجيا الهاتف الجوال، والانترنت، وفرت لضعاف النفوس مساحة كبيرة لممارسة الخيانة في السر.
ثالثاً: تفضيل ممارسة الخيانة دون علم الناس على ممارسة الحلال أمام أعينهم، وذلك نتيجة لضغوط اجتماعية وأسرية، كأن تقبل بعض الزوجات أن يخونها زوجها سراً، دون أن يتزوج بأخرى علانية، كي لا تهتز صورتها أمام الناس، رغم أن التعدد من جانب الرجل حلال شرعاً، وطلب المرأة للطلاق من زوجها الخائن حلال شرعاً، ولكن خشية الناس تعرقل - في مواطن كثيرة - ممارسة الحلال.
رابعاً: لدي بعض الرجال اعتقاد بأن تعدد العلاقات دليل على الوسامة والرجولة والفحولة والجاذبية، بل ويتفاخر بعضهم بما لديه من غراميات وعلاقات، لثبت للآخرين قدرته الاستثنائية على التأثير في الجنس الآخر، وللأسف بات ذلك حديثاً مألوفا،ً بل ومشوقاً، في المنتديات وبين الأصدقاء.
خامساً: تراجع خلق الحياء بسبب تراجع مستوى الإيمان بالله، وتحت ضغط الاعتقاد الشائع بأن الحياء "خيبة وقلة حيلة"!.
إلى اللقاء.
http://www.aleqt.com/2011/07/03/article_555264.html

السبت، 2 يوليو 2011

جَمْرُ الثانويةِ العامة!




انتهت اليوم امتحانات الثانوية العامة بمرحلتيها الأولى والثانية، وبذلك تنتهي رحلة معاناة، تجرع تعبها وألمها كل من كلفته الوزارة، ليكون رئيساً للجنة، أو مراقباً أول، أو مراقباً، أو ملاحظاً، أو معاوناًً، حيث عَلِقتْ بأعصابهم- جميعاً - نار الثانوية العامة طيلة إحدى وعشرين يوماً، حتى أرهقتهم نفسياً وعصبياً، ناهيك عن الإرهاق البدني، فما بين سفر شاق من محافظة إلى محافظة أخرى في الحر الشديد، إلى مراقبة محفوفة بالتوتر والقلق إثر تعليمات إدارية موغلة في التفصيل، إلى غير ذلك، وكلها أمور وضعت أعصاب الجميع على جمر متأجج حتى مرت الأيام بسلام!.

فيما مضى كانت الأمور تتسم بالهدوء النسبي، لكن تحايل أرباب الضمائر الميتة، والذمم الخربة من أجل استغلال ثغرة هنا أو هناك لتكون مبرراً للتشكيك في نزاهة عملية الامتحان، جعل القائمين على شأن امتحانات الثانوية العامة يمعنون في نظم إجراءات مُفرطة في الحيطة والحذر، درءاً للشبهات، وسداً للثغرات، وهذا ما كبد القائمين على مراقبة لجان الامتحانات كثيراً من المتاعب العصبية والنفسية، التي فاقت في كثير من الأحيان قدرة بعضهم على الجلد والتحمل، حتى تمنى أغلبهم ألم يُكلف من الجهة الإدارية بهذا العبء الكبير.

لقد أجهدت الثانوية العامة المنظومة الإدارية برمتها، ورغم ذلك لا يتم الحديث إلا عن إجهاد الأسر وبكاء الطلاب، بل وأضحى بكاء أي طالب أو طالبة بعد امتحان أي مادة أهم إعلامياً من إهانة المعلم، أو شتمه، أو قذفه بالحجارة، لا لشيء سوى أنه نفذ التعليمات، واحترم القانون، وراعى الضمير فيما يخص سير الامتحان داخل اللجنة، وكأنه بلا مشاعر أو أحاسيس، الأمر الذي مهد الطريق لأصحاب النفوس الضعيفة لممارسه أسلوب الضغط عليه عبر الشكاوى الملفقة، أو عبر تلقين بعض الطلبة لبعض فنون التلاعب بورقة الإجابة مثل نزع أحد دبوسيها، أو قطع أحد ورقاتها، أو الشطب الجائر بها، أو تركها بيضاء، وكلها مخالفات لا يُسأل عنها الطالب، ولكن يُسأل عنها المسكين الذي عُيِّنَ ملاحظاً عليه وبقية أفراد اللجنة!.

ولعل أسئلة تفرض نفسه في هذا الإطار وهي:-
(1)           لماذا يلتزم الطالب تلقائياً في امتحانات الجامعة، ولا يُرى منه سوى الانضباط والالتزام؟.
(2)            لماذا لا نسمع لولى أمره صوتاً ولا اعتراضاً؟.
(3)            لماذا لا نقرأ عناوين ضخمة في الصحف والمجلات عن صعوبة الامتحان الفلاني أو العلانى؟.
(4)    لماذا لا نقرأ عن ضحايا امتحانات الجامعة كما نقرأ عن ضحايا امتحانات الثانوية العامة، وعن ضحايا وزير التربية والتعليم؟...الخ.

أقول: إنها التعليمات الصارمة التي لا تسمح لأحد بالتجاوز، أو التدخل، أو الشغب، أو التجرؤ على هيئة الامتحان، أو هيئة التدريس، وكل من خرج عن النص فعقابه الحرمان من الامتحان والفصل من الجامعة عبر مجلس تأديبي، ولذلك يلتزم الجميع، فلا نسمع نعيقاً ولا عويلاً، ولا نرى تجاوزاً أو قدحاً، وكأن المجتمع يُعلن بلسان تصرفاته أنه يحتاج فعلاً إلى تفعيل آليات قانونية صارمة فيما يتعلق بالثانوية العامة، لا يُستثنى منها أي طرف، حتى يستريح الجميع، لأن الأمر قد تجاوز الحدود المعقولة.

صحيح أن الجهة الإدارية قد وضعت الكثير من الضوابط فيما يخص الطالب، وهيئة المراقبة على الامتحان، في محاولة لسد جميع الثغرات، لكن ما يخص الطالب يضرب به الطالب عرض الحائط، ويعلن في تحدٍ سافر أن أياً من المراقبين لن يفعل له شيئاً، اعتماداً على ما يُلقن له من الخارج، واستغلالاً لتعاطف الوزارة معه، فيهدد ويتوعد بلا خشية، حيث يعلم أنه لن يقع تحت طائلة العقاب، فيتحايل أولئك الذين شاء قدرهم أن يقذف بهم في أتون لجنة الامتحان، حتى يمر الوقت بسلام، تارة بافتعال الابتسامة والقلب يغلى، وتارة بالاستجابة للطلبات المملة والمتكررة " عاوز أشرب" " عاوز الحمام" " عاوز الزائرة الصحية" إلى قائمة طويلة من الطلبات التي لا مبرر لها، والمُلاحِظ لا يملك إجراءاً حقيقياً مُفعلاً يستطيع به إيقاف سخافة أولئك الطلبة، بل أكاد أزعم أن وضعية الطالب أقوى من وضعية أي مسئول باللجنة!.

* مقترحات لترحيل عبء الثانوية العامة

وإزاء ما تشكله الثانوية العامة من ضغوط نفسية وعصبية على كل من لفحته نار الثانوية العامة من رجال التربية والتعليم، لا يبقى سوى التفكير العميق لإيجاد طرق ذكية، ومبتكرة، وطويلة المدى لسد الثغرات التي ينفذ منها بعض الذين احترفوا أساليب التحايل والتلاعب، بدلاً من أن يراقب أعضاء لجنة الامتحانات حال الدبوسين وعدد الأوراق دون سواهما، وهنا تقرع عقلي بعض الأسئلة:-

(1)  لماذا لا يتم التفكير في ترحيل الضغط المتمركز في عام الثانوية العامة إلى مرحلة التعليم الأساسي، بحيث لا يتخطى هذه المرحلة إلى المرحلة الثانوية إلا المتميزين، وهم لا يمثلون أي صداع من أي نوع، لأن الطالب المتميز، ومن خلال التجربة هادئ ومطيع وملتزم، وليس لديه وقت للشغب، أو الخروج عن جو الامتحان، أما الآخرين الذين حققوا درجات أقل في مرحلة التعليم الأساسي فأتصور أنهم أكبر دعامة للتعليم الفني والمهني، حيث ثبت من خلال عدة أعوام قضوها بمرحلة التعليم الأساسي أنهم غير مستعدين لتحصيل قواعد اللغات، أو النظريات الرياضية والفيزيائية، أو المعادلات الكيميائية، فلا داعي لاستمرارهم في هذا الاتجاه، مع محاولة دفعهم في مجال العمل اليدوي "الصِّرف"، وبذا نكون قد أصبنا أكثر من عصفور بحجر واحد، الأول: تغذية التعليم الفني وهو مطلب استراتيجي، والثاني: تخفيف الضغط الهائل على الثانوية العامة، والثالث الحد من تكدس الطلاب بالجامعة في الوقت الذي لا يستوعبهم سوق العمل؟!.

(2)  لماذا لا يتم التفكير في جعل التعليم الفني أكثر جذباً للطلاب وأولياء أمورهم، عن طريق الاهتمام الإعلامي به، وتقديم بعض الإغراءات التي تدفع الطلبة إليه؟.

(3)  لماذا لا يتم تطبيق اللامركزية على امتحانات الثانوية العامة؟.

(4)  لماذا لا يُطبق نظام "التيرم" لتخفيف حجم المعلومات محل الامتحان؟.

* كراسة الإجابة والصداع المزمن، ومقترحات للعلاج

فيما يتعلق بورقة إجابة الطالب بالثانوية العامة، وهى الصداع المزمن، والهم الكبير، في رأس وقلب كل من تعاملوا معها، بعد أن صارت محلاً خصباً للتحقيق مع أعضاء اللجنة بسبب دبوس فقد أحد رجليه، أو دبوس ترك مكانه، أو دبوس غير موجود من الأصل، أو بسبب نقص في عدد أوراق كراسة الإجابة، أو قطع ظاهر في أحد وراقاتها، أو..... أو.... أو.....، أطرح بعض التساؤلات التي تحمل مقترحات لتطوير كراسات إجابة الثانوية العامة:-

-         لماذا لا يتم سلسلة ورقة الإجابة رقمياً وحرفياً من أعلى الصفحة ومن أسفلها؟.

-    لماذا لا تكون ورقة الإجابة بنظام الملزمة وتكون أرجل الدبوسين إلى داخل كراسة الإجابة من المنتصف، ذلك لو كان هنالك إصرار على الدبوسين؟.

-    أو لماذا لا تكون ورقة كبيرة بمقاييس محددة، يتم ثنيها بحجم الورقة المعروف (على شكل أكورديون)، بدلاً من أن تكون ورقات منفصلة يجمعها غلاف ودبوسين، يسهل ضياع أو نزع إحداها؟.

-   لماذا لا تكون امتحانات الثانوية العامة على نحو امتحانات كادر المعلمين من حيث أوراق الإجابة والأسئلة والتصحيح الآلي.

-         لماذا لا تكون ورقة الأسئلة والإجابة داخل ملزمة واحدة؟.

-   أين مسؤولية المطابع والمخازن عن سلامة كراسات الإجابة التي يرد بــ 20% منها على الأقل عيوب في الدبوسين أو عدد الأوراق أو قطع بالأوراق، ومع تحرير محاضر إثبات الحالة أو عدم تحريرها تٌحال اللجنة إلى التحقيق؟.

-   لماذا لا يتحمل الطالب مسئولية ورقة الإجابة بمجرد استلامها عبر إقرار يوقع عليه، وكل مخالفة تقع بها يتحمل تبعاتها؟.

إن الموضوع فيه كلام كثير، ولكن بقيت لي بعض الرسائل الموجزة:-

(1) هل تحول رجال التربية والتعليم إلى مجرمين حتى أصبح لهم ضحايا؟!.

(2) وجود الخطأ والمخالفة مرتبط بوجود البشر، لكن كيف يمكن أن نتعامل مع الخطأ والمخالفة إعلامياً بحيث لا نهول ولا نهون؟.

(3) لا أذكر متى بدأت "موضة" البكاء داخل وخارج اللجان، ولا أدرى متى ستنتهي؟.

(4) الإشفاق على الطالب وولى أمره واجب، لكن الأوجب الانحياز إلى صف القانون.

(5) قوة القانون، وهيبة عضو لجنة الامتحان، ووعى ولى الأمر، والتزام الطالب، ضرورات ملحة في امتحان الثانوية العامة.

(6) لماذا أضحت الثانوية العامة بنظامها وامتحاناتها مجالاً مفتوحاً على مصراعيه لكل من هب ودب، ولماذا لا يترك الأمر للخبراء والمتخصصين؟.

(7) كما تلتقط الصحافة ووسائل الإعلام آراء الطلاب وأولياء أمورهم عن صعوبة أو سهولة الامتحان، أليس من العدل أن تبدى بعض الاهتمام برأي أهل الاختصاص؟!.

(8) العجيب أن كل الطلاب يريدون أن يكونوا أطباء و مهندسين، فمن سيكون مدرساً، أو محاسباً، أو محاميا...الخ؟!.

(9) من المسئول عن تصنيف الكليات إلى كليات قمة، وكليات قاع؟.

(10)     نعم هي ثانوية عامة، لكنها ليست عامة سوى في التعب والإرهاق والتوتر!!.

(11)  وأخيراً، كم أتمنى أن أرى الانضباط، والالتزام، والاحترام الذي عايشته في الحياة العسكرية، واقعاً في الحياة المدنية.

قال الله تعالي { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد

----
مقالات ذات صلة:
-         ارفعوا كاميراتكم عن الثانوية العامة!

-         «دبوس» الثانوية العامة!

ت: 0107559278


http://www.albedaya-algadida.com/article-1639.html

  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...