الأحد، 10 يوليو 2011

كي لا يكون الشك مذهبا..!




الشك صناعة إبليسيه محضة، والشيطان أول من زرع الشك والريبة في قلوب البشر..
وكان المشهد الأول مع ابينا آدم وأمنا حواء حين دخلا الجنة كما شاء الله ليأكلا من ثمارها حيث أرادا، إلا شجرة واحدة أمرهما الله بالكفِّ عنها لحكمة يعلمها سبحانه، فأبى إبليس اللعين، الذي أخذ الوعد بالخلود إلى يوم الدين، أن يتركهما في هذا النعيم، بعدما كان عصيانه بالسجود لآدم - تنفيذاً لأمر الله - سبباً في طرده من رحمة الله، فوسوس لهما كي يشككهما في أمر الله ويلقى في نفسيهما أول بذرة للشك، كي يصل بهما إلى حالة من زلزلة الاستقرار النفسي، تحت وطأة الإغراء والتزيين والإيهام.

من هنا كان ميلاد أول نبتة للشك في نفس أبى البشرية آدم الذي هبط بها إلى الأرض، لتنتقل من جيل إلى جيل، متطورة بتطور حياة البشر وطرق عيشهم وأساليب تفكيرهم، حتى صارت الآن لازمة لا يكاد يخلو منها فكر أو فهم أو سلوك، بل صارت الآن صناعة يقوم بها أفراد وتقوم بها جهات ودول خدمة لمجموعة من الأغراض التي تتباين في مدى خبثها ومكرها، لكنها تظل صناعة و طريقة مثلى أمام بعض القوى لبناء الهواجس والظنون حيال الثوابت والمعتقدات من أجل إحداث الفتن بين طوائف المجتمع، أو زلزلة الإيمان بالقيم والمبادئ الوطنية والدينية، أو إحداث حالة من التمرد ضد شخص أو مجموعة أشخاص لحجب الأضواء عنهم وتقليص دورهم في الحياة العامة من خلال رأى عام معارض.

وقد تقمص زارعو الشك في الواقع أكثر من دور ومثلوا أكثر من وجه على مسرح الحياة العامة..

-   فمنهم من أشهر قلماً وقال إنه كاتب ينقل للناس الحقائق المجردة، ويعلن عليهم كل الخفايا بكل شفافية، ويبرز أمامهم كل الخطايا بكل نزاهة، ويكشف لهم ستر المفسدين بلا تمييز، وهو في حقيقة الأمر لا يفعل شيئاً من ذلك، حيث نشر الأكاذيب بلا ضمير، ونثر الشائعات فوق رؤوس البشر بلا مسئولية، وأساء بقلمه إلى من لا يستحقون الإساءة، وحَرَّف الكلام وشخص مراميه على نحو أعوج، وذلك كله لبلبلة الناس، أو الصيد في الماء العكر، أو البحث عن الشهرة وذيوع الصيت تحت مسمى السبق الصحفي، والسبق الصحفي بريء من ذلك براءة الذئب من دم بن يعقوب.

-   ومنهم من يعتلى منبر الوعظ، ويرتدى ثوب الدين، ثم يقفز إلى أفكار الناس من خلال جماعة أو صحيفة أو فضائية من الفضائيات تحت مسمى تطوير الخطاب الديني أو إيقاظ الوعي الديني، وما أكثر النماذج التي أفرزتها وسائل الإعلام خلال العقد الأخير، بعضها أفاد الناس بتبيان صحيح الدين، وإيضاح قيمه الأساسية ومثله العليا، والدفع بهذا المفهوم في واقع الحياة ليكون سلوكاً لا شعارات، وأفعالاً لا مجرد كلمات، وذلك في إطار المنظومة الاجتماعية التي تـُـظل جميع الأطياف الفكرية في ظلها بلا تعصب أو تشنج أو دعوة إلى فرقة، لكن شريحة ليست بالهينة من هؤلاء شككت الناس في مأكلها و مشربها و ملبسها، بل وفى عبادتها وتقربها إلى الله، وراحت تعزف على التشدد في فروع الدين، وجرت إلى ذلك شباباً غضاً راح يحلل ويحرم بلا أدنى خجل أو خوف، ولا أبسط من أن يقول هذه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، فمن الذي علم هذا الشبل أن يصدر أحكاماً بلا علم؟،إنها حالة اللاءات المنتشرة بشكل ملحوظ في أمور الدين، وهى حالة منشطرة عن قنبلة الشك والوسوسة في شأن الدين.

-    ثم نجد أنفسنا أمام فريق ثالث مارس زراعة الشك على نحو أكثر حرفية، وهو الفريق الذي «سيس» الدين، أو وظفه توظيفاً سياسياً بحثاً عن مقعد مرموق تحت ضوء الشمس، من أجل إشباع رغبة سلطوية تهفو إليها النفس البشرية بحكم تكوينها، بيد أن المعضلة لا تكمن في طموح الوصول إلى منصب ما، خاصة في ظل إقرار التعددية واتساع رقعة الحرية، لكنها تكمن في الطريقة المريبة التي تتعامل بوجهين وتؤلف بينهما في مشهد يدعو للعجب، لأنه لا يخفى على كل ذي اهتمام وتأمل أن هناك انفصام وانفصال بين باطن هذه الأيديولوجيات و ظاهرها، فهي تفكر بطريقة، وتتحدث فيما بينها بطريقة، وتتكلم مع الشارع بطريقة، وتتحدث مع الخاصة بطريقة، وكل طريقة تختلف عن الأخرى شكلاً ومضموناً، والشيء العجيب أنها تملك لكل طريقة من هذه الطرق أدوات ووسائل طيعة ومطيعة تنفذ بلا مناقشة، والأعجب أن تحاول أن تجرى تزاوجاً بين الأمر ونقيضه في محاولة غريبة لخلط الزيت بالماء، ولا أدرى ما هي النتيجة التي ترجوها من وراء ذلك..؟، اللهم إلا محاولة خلق رأى عام يؤيدها من خلال إتباع طريقة التشكيك في النوايا والأفعال، وإبراز تصريحات تدعو للإحباط والتمرد على الواقع، ثم تفسر كل ذلك وتبرره بقاعدة الضرورات، وبقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
  
وهكذا تعددت صور مروجي الشك في المجتمع وما سبق مجرد نماذج فقط، ورأيي أن في ذلك أكبر خطر يهدد المجتمع، بل هو أخطر مما يتهدده من الخارج، لأن فقدان الثقة وانتشار آفة الشك أكبر مفسدة لعلاقة الناس بربهم، وعلاقة الناس بوطنهم، وعلاقة الناس ببعضهم، بل وظن الناس بأنفسهم، وهنا تتحول الحياة إلى ضنك وقلق مستمر..
فكيف تتقدم عجلة التنمية في ظل رسم علامات الشك على كل كلمة وفعل وإنجاز؟
كيف يحيا الناس في وئام وحب بينما دأب فريق على سوء تفسير النوايا هنا وهناك؟
كيف يتوحد المجتمع صوب غاياته الكبرى وكل تيار يشكك في أهداف التيار الآخر؟
إن الحياة عندئذ تتحول إلى كابوس مزعج للجميع.

وحتى لا يُفهم من كلامي أنى أشبه زارعي الشك بالشياطين أقول..
«إن الإنسان يجمع في كيانه صفات لخلق كثير من خلق الله، وهو في ذلك متنازع بينها، فهو متنازع بين متطلبات الروح ومتطلبات المادة، فإذا ما غلبه جانب حكم عليه به، فإن مال إلى جانب الروح سعى إلى غير موصول إليه، وإن مال ناحية المادة انحط إلى ما دونه من خلق الله، وإن أجرى بينهما التوازن حقق إنسانيته وهو المطلوب، لكن المشاهد لواقعنا الآن يرى بجلاء تعدد منصات النقد وقواعد التشكيك بلا سقف أو حدود، الأمر الذي يتجاوز حدود الإنسانية إلى صفات شيطانية تصيب الحياة والأحياء بالعطب، من هنا أقول: إن من سعى لنثر بذور الشك لغرض أو بلا سبب وجيه فقد تقمص دور الشيطان الذي لا يريد للإنسان استقراراً ولا هناءً في مقاله أو حاله أو أي شأن من شئونه».

http://www.albedaya-algadida.com/article-1786.htm

 

ليست هناك تعليقات:

  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...