الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب!
بقلمي: عبدالقادر مصطفي
كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضية محل النقاش، فندّعي مثالية وملائكية في تناولها ما تبدت يومًا حينما كانت واقعًا في حياة من وثب على مسرح الوعظ ونثر الحكمة.
الفقر : ليس قدرًا حتميًا يُصب من السماء صبًا على رؤوس فئة من الناس دون سواهم حتى تنبري فئة تعيش الرفاهية والترف كي تسوغ وتبرر لقبول هذا الفقر ولا تخجل من الدعوة المستمرة لقبوله والرضا بمراراته والتكيف معه، بل والدعوة إلى الزهد في الفتات الذي يملكونه وترك الدنيا وطلب الآخرة، متناسين أن الدنيا هي طريق الآخرة وأنها لا تُدرك إلا بها، فكيف لمن يدرك الدنيا أن يدرك الآخرة، ثم لا يجد هؤلاء ما يمنعون به تحويل ذاك الفقر إلى سوط يتم به إلهاب ظهور الفقراء في كافة معاملاتهم وأنشطتهم اليومية انحيازًا ونفاقًا للأغنياء.
للأسف من تصدى لتزيين الفقر للناس هم فئة أطلقت اللحى وأرخت الذؤابة وقصرت الجلباب وحددت الزبيبة وأفاحت المسك وركبت الهامر وغرست حتى أذنيها في المرق والظفر وتزوجت من النساء مثنى وثلاث و رباع، ثم امتطوا في المساء فضائيات يبثون من فوقها الرقائق والبكائيات وفيها يتبنون دعوة الناس إلى الرضا والزهد وهم أبعد الناس عما يدعون إليه.
رسول الله وهو القدوة المختارة للبشرية عامة لم يأمر بشئ أو يدعو إليه إلا إذا تمثله وعمل به ليكون قدوة في الميدان، والأمثلة في حياته الشريفة لا تكاد تُحصي، ولكني أذكر موقفًا يوم الأحزاب والناس يحفرون الخندق حول المدينة فأنهكهم الجوع والعطش، فجاء أحدهم يشكو إلى رسول الله الجوع كاشفًا عن بطنه التي ربط عليها حجرًا ليؤكد مرارة تضوره، فكشف رسول عن بطنه فوجد الرجل عليها حجرين مربوطين فانصرف وهو راض برد رسول الله العملي، وقد كان رسول الله يقدر على مواساته ببعض كلمات.
نحن نريد الحكمة ممن يعيشون واقع الناس حالًا لا مقالًا، ممن تذوقوا وعاشوا آلام الناس حتى تكون الحكمة صادقة، وما الفقر إلا مقالًا من عشرات يتطلب المعايشة والصدق قبل دعوة الناس إلى القبول به.