الثلاثاء، 3 مايو 2011

إيمانُك.. أفعالك!



عبدالقادر مصطفي عبد القادر
في كل شأن من شئون حياتنا نطلب الدليل على صدق الأشياء.. فإذا قيل - مثلاً - إن فلاناً يمتلك قوة هائلة فنحن نطلب من الأفعال ما يدلُّ عليها.. وإذا قيل إن فلاناً ذا صوت حسن، فنحن نطلب الاستماع إليه لنتأكد، وهكذا..، فنحن لا نُقر بحقيقة الأشياء ما لم نلمس الدليل عليها من الواقع.
أما في قضية القيم والمبادئ والمُثل فغالباً ما نكتفي بالنظرية دون التطبيق، ثم نوهم أنفسنا بأننا قد أصبنا حقيقتها وجوهرها، وهذا غير صحيح!.
إن من أهم أركان الصدق أن يوافق القول الفعل، خاصة في قضية الإيمان بالقيم والمبادئ والمثل، فلن يُعْطِىَ الحديث الجذاب عنها صكاً للمتكلم بأنه من المؤمنين بها، لمجرد أنْ تفوه بكلمات براقة عنها، بل إن الانفصام الشبكي بين القول والفعل يستوجب مقتاً من عند الله تعالى، إذ قال جل شأنه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ }.
فإذا كنت مؤمناً بقيمة ما.. فما هو الدليل، وما هو البرهان؟!. هل قدمت من العمل ما يؤيد إيمانك، وما يفصح عن حماسك، وما يبرهن على كلامك؟ّ!. أم أنك قد أضعت كل الوقت واستنفدت كل الجهد في الحديث - الذي لا تنقصه البلاغة، ولا يخلو من الفصاحة - عن جمال هذه القيمة، وعن روعتها، وعن تأثيراتها الهائلة في حياة الناس، بلا مردود عملي على أرض الواقع.
الحقيقة نحن في مرحلة لا تحتاج إلى الكلام، بقدر ما تحتاج إلى الالتزام، خاصة وأن حجم المخزون النظري عن القيم والمبادئ يعانى من تخمة بينة لدى الناس، في الوقت الذي يعانى فيه الجانب العملي والسلوكي هزالاً وضعفاً عاماً لا يخفى على أحد، إذ أزعم أن الناس تعرف الصواب من الخطأ، والطيب من الخبيث، لكن كثيراً منهم يصرون على المخالفة وارتكاب الخطأ، في مشهد يثير العجب!!.
والسؤال، لماذا استساغ هؤلاء الخطأ، واستهوت أفعالهم المخالفة؟..
أولاً: لأننا لا نريد أن نتعلم، أو بالأحرى لا نحب أن نتعلم.
وثانياً: لأننا تعودنا على الخطأ فأضحى جزءاً من شخصيتنا، ومفردة من مفردات سلوكياتنا.
وثالثاً: لأن الإصرار على إتيان الخطأ يلبى هوى ونزعة فردية، ويشبع متطلباً شخصياً.
رابعاًً: حالة اللامبالاة والسلبية.
خامساً: افتقاد القدوة العملية التي تنصح وتكون أول من يُنفذ.
والعنصر الخامس قد يكون هو الأهم في قضية الإيمان بالمبادئ والقيم، ولا أجد لإبراز وإجلاء هذا المفهوم موقفاً أروع ولا أجمل من موقف سيد الخلق وحبيب الحق محمد عليه الصلاة والسلام، في غزوة الخندق، والصحابة يحفرون خندقاً حول المدينة حماية لها وتحصيناً، تمكن الجوع والعطش منهم حتى ربطوا الحجارة على بطونهم، فجاء أحدهم فكشف عن حجر أمام رسول الله ليرى ما ألَمَّ به وصحبه من جوع وعطش، فكشف له الرسول عن حجرين ربطهما على بطنه، في إشارة إلى أن جوعه وعطشه - عليه الصلاة والسلام - أشد، وهنا تتجلى القدوة العملية في أروع مشاهدها ومعانيها، حيث لم يعالج الرسول الموقف بكلام معسول وكان يقدر، ولكن عالجه بفعل من جنس ما يعانون، فكانت القناعة والاقتناع.
ولذلك أقول، إن القيم تفقد كثيراً من هيبتها وقوة تأثيرها إذا ما سُجنت داخل أقفاص مبهرة من كلمات رنانة وممشوقة، صحيح أن الأقفاص تخطف الأبصار، وتسحر الأنظار، ولكن لوقت وحين، لأن العين تمل وتسأم رؤية ما تعودت أن تراه من أشياء ثابتة أو جامدة، وكأنها تعلن بلسان الحال عن رغبتها بحياة تدب في أوصال هذه الكلمات فتتحرك في توازٍ واتساق مع حركة البشر.
أنا أتصور أن امتلاك الإرادة لترجمة القيمة الأخلاقية - كمثال- على أرض الواقع إلى ممارسة وتعامل، أهم بكثير من امتلاك كم كثيف من مفردات وعبارات مبهرة لتوصيفها نظرياً عبر محاضرة، أو مناظرة، أو مقال، أو غير ذلك من صنوف العرض النظري، لأن التعبير العملي عن قيمة ما في حياة الناس يبقى هو المعيار الأمثل لقياس درجة الإيمان بها، كما أن التوصيف النظري المطول بلا مدلول عملي يصيب النفس بالزهد فيها، أو بخلق قناعة ما باستحالة تطبيقها في واقع الحياة.
-
مقالي بالاقتصادية يوم 3/5/2011
http://www.aleqt.com/2011/05/03/article_534071.html

ليست هناك تعليقات:

  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...