توطئة
تمُر الأيام على صفحات أعمارنا مر السحاب، فتنسخ فيها حروفاً من سعادة، أو تَخُطُّ حروفاً شقاء، ثم تطويها واحدة تلو الأخرى، حتى ينتهي ورق السجل، فينصرم العمر و يُطوى كطي الكتاب حتى يوم الحساب.العيد ثورة على الأنانية والكراهية
إنَّ العمر يُحسب بأوقاته الجميلة ولحظاته السعيدة، ولا أجمل من مشهدٍ يجمعُ قلوبَ الناس على الحب المجرد عن الغرض والهوى، ولا أجمل من لحظة عناق بعد خصام وفراق، ولا أجمل من لحظة تُحال فيها دموع المكلومين إلى بساتين ابتسام.إنَّ العيد يعود من عام لعام كي يمنح لَبِنَاتِ المجتمع فرصة جديدة للتواصل والالتحام في بناءٍ مُنتظم يَشُدُّ بعضه بعضاً، من بعد عام زاغت فيه قلوبٌ عن قلوبٍ، وتناءت فيه أرواحٌ عن أرواحٍ، إثر هواجسِ نفسٍ تدعو إلى الأنانية، ووساوس إنس وجن تدعو إلى الفرقة.
إنَّ العيد يأتي بأسلحة من حبٍ ليقضي على آفاتِ التشاحن والتباغض والتدابر بين الناس، ليُقَدِّمَ حلولاً من أجل رتق الثقوب وتمتين الأواصر، بالتزاور والمواساة والصفح الجميل، وما موجات التكبير والتهليل والتحميد إلا بداية غيثٍ نحو نَسْفِ الخلاف والتفرق، وما التهنئة بالعيد، ثم التصالح، ثم التصافح والتعانق، إلا أمارات دالة على ذلك.
العيد ثورة على النمطية
عندما تمضي حركة الحياة على نمطٍ واحدٍ رتيبٍ، تُصابُ النفس بالملل، و تُصابُ الإرادة بالكلل، وذلك من كثرة التكرار والدوران في ذاتِ المدار، ولذا سَنَّ الإسلام عيدين من أجل الترويح عن النفس وتجديد نشاطها، عبر فرح ومرح، وضحك ولعب، بلا خروج عن حدود الشريعة، الأمر الذي يعطي دلالة واضحة على أن أحد أهم غايات العيد في حياة المسلم هي إدخال السرور والبهجة إلى قلبه.لقد أباح ديننا الحنيف اللهو البريء في أيام العيد، تَسرية عن النفس، وتَسلية لها، قالت عائشة - رضي الله عنها – فيما يرويه أحمد والشيخان: ( أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد، فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت، ثم انصرفت ).
معني هذا، أن ديننا فيه فسحة ويسر، من شأنهما تفريغ النفس من شحناتها السالبة، التي تراكمت في زواياها من نمطية ورتابة وتكرار، ليعود العقل مُتقداً، وتعود الروح مُشرقة.
خاتمة
لا يسعني في نهاية هذا المقال الموجز إلا أن أقدم أجمل التحايا وأرقها إلى الأخوة الأفاضل، القائمين على أمر هذا الصرح الشامخ «الاقتصادية» بنسختيها الورقية والالكترونية، وإلى كُتَّابِ الرأي والمقال، وإلى أصحاب الأفكار النقاشية بركن المجلس، وإلى كل قارئ ومتابع للمواد المميزة التي تتلألأ في أروقة هذا الموقع॥ كل عام وأنتم جميعاً بألف خير।----
المصدر: صحيفة الاقتصادية الالكترونية
هناك تعليق واحد:
مبروك المدونة وأحييك على الفكر والفكرة
إرسال تعليق