الجمعة، 14 أكتوبر 2011

ليكن المعلم معلماً..! .. بقلم: عبد القادر مصطفى


10/15/2011 | 



أكتب من الميدان فأقول: إن أولَ شيء يصيب رسالة المعلم في مقتل فيشوهها، بل ويمحو معالمها في مرحلة تالية هو: إلهاء المعلم عن اختصاصه الأصلي بإسناد أعمال إضافية إليه عن طريق إدارة المدرسة، كالعمل في وحدات التدريب أو المعلومات والإحصاء، أو تكليفه بأعمال مالية وإدارية لا تمت لاختصاصه بأي صلة، كأن يكون أمين عهدة أو أمين معمل أو مسئول أمن، وما يترتب على كل ذلك من إجراءات إدارية ومالية لا علاقة لها باختصاص المعلم الذي تم تعيينه من قبل الدولة ليكون مكانه الفصل الدراسي بين طلابه مربياً ومعلماً.

إن عدم احترام تخصص المعلم دفعه إلى فقدان الثقة في نفسه، وإلى إهماله في تنمية ذاته في مجال تخصصه، وإلى تشتيت تركيزه وبعثرة مجهوده في أكثر من اتجاه، تحت دعاوى التعاون مع إدارة  المدرسة في أعمال لها موظفيها من الأصل، ولكن لأننا لا نقدر رسالة المعلم، ولأننا لا نحترم التخصص، ولأننا نؤثر ترتيب الأوراق ورصِّ المستندات لتلافي ملاحظات المتابعين والزوار، فقد ألقينا بالمعلم في هذه الدوامة التي جرت مستوى التعليم إلى الوراء، ولا احد يتدخل رغم علم المسئولين بهذه المأساة.

نسمع بين الفينة والأخرى عن قرارات سوف تصدر لتعيد للمعلم اختصاصه، ومن ثم هيبته وكرامته أمام طلابه وأمام المنظومة وأمام المجتمع، ولكن لا شيء من ذلك يحدث، وكأن الجهة المسئولة لا تأبه بهذا الانحدار المهني الذي أصاب كافة المعلمين، إثر إقحامهم في لجان، ووحدات، وأعمال مالية إدارية، وكأن لسان الحال ينبئ عن مواصلة ذات السياسة القديمة التي ألقت بمهنة التدريس في الحضيض، إذ لم يتغير من الأمر شيء إلى الآن سوى لغة التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي أمور لا تنفع مع مديرين تخيلوا أن المدارس وحدات إدارية ومالية، وملفات، وأوراق.. ذلك لأن الذين يتابعون لا يسألون عن مستوى معلم، ولا عن مستوى طالب، وإنما يسألون عن السجلات والأوراق، ويكتبون التقارير بناء عليها.

عيب كبير أن تظل مدارسنا قابعة في هذا النفق الفكري المظلم.. عيب كبير أن تظل مدارسنا أسيرة لنظم إدارية بالية تجر التعليم جراً إلى الهاوية.. عيب كبير أن تظل مدارسنا مجرد دفتر حضور وانصراف.. عيب كبير أن تظل مدارسنا مجرد لوحات ووسائل.. عيب كبير أن تظل  مدارسنا مجرد حبر يوضع في سجلات وأوراق.. لقد نسينا في زحمة الإداريات أن المدرسة موطن للتربية والتعليم، وذلك لا يتحقق إلا بمعلم محصن بالعلم، ومحمي باحترام الجميع، وبطالب يريد أن يتعلم، وبإدارة عصرية تضع المدرسة على طريق أداء رسالتها على النحو المنشود، بخلق المناخ التربوي الملائم للمعلم والطالب على السواء.

يا سادة أعيدوا للمعلم اختصاصه، ولا تشغلوه بأعمال إدارية ومالية، وأعيدوا له كرامته وثقته بنفسه.. فسوف تعود أشياء عظيمة إلى التعليم إن عاد المعلم إلى مكانه ومكانته.

أرجو أن يصل صوتي إلى أبلغ مدى...

abdelkader_khalel@yahoo.com    

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

تهميش المباديء... بقلم: عبد القادر مصطفى


هل رأيت الشمس قد زمجرت يوماً وقررت ألا تشرق في وقتها، أو ألا تغرب في حينها لأنها تعبت أو ملت من تكرار مهمتها الأزلية ؟!.

أو هل رأيت القمر في ليلة قد رغب عن البزوغ في صفحة السماء كما تعود، أو أنه مكث في كبد السماء حتى جار على بعض سويعات الشمس؟!.

أو هل رأيت النهار قد تأخر صُبْحه، بعدما وقع مع الليل تنازلاً عن جزء من مساحة ضوئه؟!.

أو هل رأيت الليل قد أرخى ستائره السوداء على الأفاق وقرر ألا يَبْزُغَ للنهار فجر؟!.

بالقطع.. إن الإجابة عن كل ما سبق، ستكون بلا، لأنها منظومة تتحرك وفق نظام دقيق لا يتبدل ولا يتغير، منظومة محكومة بمبدأ لا تحيد عنه ولا تتزحزح، قال الله تعالى{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}.

معنى ذلك أن استقرار الحياة على الكوكب الأزرق، مرهون باستقرار مفردات الكون من شمس وقمر ونجوم وكواكب على مبادئها، ولو تخلت هذه الأشياء عن مبادئها الثابتة، فلنا أن نتخيل عندئذ حجم الكارثة، ولنا كذلك أن نقرأ بعض الرسائل القصيرة التي تأتينا عبر زلزال أو فيضان أو إعصار، وما (تسونامى) من العقول ببعيد.

الشاهد هنا.. أنه لا حياة بلا مبادئ، ولست أقصد الحياة التي ضدها الموت والفناء، ولكنى أقصد الحياة الإنسانية التي تستمد وجودها وبقائها من القيم والمبادئ، فـَرُبَ حي يأكل ويشرب ويتنفس لكنه ميت.. لأنه بلا مبدأ، ولنا أن نتأمل هذا المعنى في قول الله تعالى..(أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).

هذا المبدأ والثبات عليه نفهمه من رد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على عمه أبى طالب لما جاءه يعرض عليه عرض قريش بترك الإسلام مقابل الملك، فقال ( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما فعلت).

فـَحَرىٌ بحياة تاهت فيها المبادئ أو سقطت، أن تسقط بالتبعية في هوة الجهالة، وأن تتحول إلى غابة لا يحكمها سوى منطق الغاب والناب، إذ لا بقاء سوى للأقوى ولا قانون سوى للأقوى، ولا رأي سوى للأقوى، ومن ثم تتحول حياة البشر إلى مناطق نفوذ، ونقاط صراع وقتال، يكون وقودها ومدادها دماء وعظام الضعفاء، ويبقى القوى مسروراً يتلذذ بمشاهد الدماء والأشلاء.

ومن المضحك المبكى في آن واحد..أن نـُجبر كل يوم على مشاهدة هذا العرض الدرامي الباهت المتناقض، إذ يدعى الطرف القوى إيمانه الكامل بمبادئ حقوق الإنسان، وتتشدق به آلته الإعلامية في كل مناسبة، بينما ثيابه ويديه ملطخة بدماء الإنسان في كل مكان.

إن هنالك قوى تخطط لخوض حروب لمدة خمسة عشر عاما قادمة، بلا سبب ولا مبرر، اللهم إلا الرغبة المتوحشة في نهب ثروات وخيرات الغير، فمن ذا الذي يدق طبول الحرب في كل مكان على سطح الأرض؟، فمن ذا الذي يضيف إلى المناطق الملتهبة في العالم منطقة جديدة كل يوم؟، فمن الذي يهدد أمن وسلامة البشر؟، فمن الذي يضرب بكل القوانين والأعراف عرض الحائط؟..أسئلة تبدو الإجابة عليها سهلة المنال.

إن حمم الغضب تعتمل في باطن بركان ضخم يوشك أن ينفجر في وجه الجميع، ذلك لأن المبادئ قد سقطت من حسابات كثير من القوى المؤثرة في العالم، بل غـُيِّبت عملياً عن واقع البشر، وإن كان التشدق بها لا يزال جارياً على قادم وساق، بيد أن ذلك لن يحول دون رؤية الصورة الحقيقة أمام كل ذي بصر، فمن ذا الذي لا يرى بعيني رأسه كيف استبدلت الكيانات الكبيرة كثير من القيم والمبادئ الإنسانية بمفاهيم جديدة، تحكمها موازين القوة و المادة؟، فمن ذا الذي لا يرى هذا السفور الواضح لازدواجية المعايير والكيل بمكيالين عند التصدي للقضايا المتماثلة في العالم؟.

إن مبدأ العدالة بين الجميع قد توارى خلف المطامع والأهواء ومعادلة المصالح، وبرز مكانه مفهوم ازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين أو عدة مكاييل إذا لزم الأمر، وما على الضعفاء سوى الرضوخ للأمر الواقع الذي يفرضه الطرف الأقوى في المعادلة، والذي يفعل ذلك و لديه يقين أن الطرف الضعيف لن يقدم أدنى اعتراض. لقد كنا بالأمس نسمع عن سياسة العصا والجزرة، لكنا لا نرى اليوم سوى العصا، وهى بلا شك لمن عصى.

لكنى أتصور أن المراهنة على صمت الآخرين هي مراهنة محفوفة بالمخاطر، وزاخرة بالأهوال - وهى أشياء لا يشعر بها المتغطرسون و المغرورون - لأن الصمت في هذا السياق لا يعنى القبول والرضا، لكنه يعنى مزيداً من مشاعر الغضب والإحباط.. لكنه يعنى تعميقاً لمشاعر الكراهية.. لكنه يعنى ترويجاً للأفكار المتطرفة.. لكنه يعنى تأجيجاً لصراع الأفكار والحضارات.

إن غياب تعايم السماء عن أفكار البشر هو السبب المباشر في تهميش دور المبادي في حياتهم، فما من كتاب سماوي إلا وحض على الرحمة والعدل واحترام الإنسان.





  الحكمة بعيدًا عن الميدان كذب! بقلمي: عبدالقادر مصطفي كلنا إلا من رحم نتلثم بالحكمة ما لم يكن لنا احتكاك مباشر ومعايشة حياتية مع القضي...